في انتظار أدوارنا للدخول على الطبيب سمعت شيخاً يتحدث إلى مجاوره، فأَمَلْت أذني لأستمع إلى حوار من طرف واحد! تبين لي أن هذا الشيخ من المتدينين العوام، لأنه كان يخطئ في بعض الآيات القرآنية الكريمة التي يستشهد بها، ويروي بعض الأحاديث الضعيفة.. كان هو المتحدث في حين كان مجاوره يستمع إليه في استسلام تام.. كان الحديث يتناول نعم الله علينا وواجبنا للمحافظة عليها!
وقد أكبرتُ في الرجل حرصه على إفادة غيره حتى بالقدر اليسير الذي يملكه من المعرفة، ولذا قررت المشاركة في الحديث..
ولأننا في المستشفى فقد ذكر الشيخ من نعم الله علينا وجود هذه المستشفيات، وما بها من أطباء ومعدات وكيف كان الإنسان قبل عقود من الزمن يفقد حياته عندما يعتريه مرض لا يجد من يعالجه منه!
قلت مشاركاً في الحوار: ولذلك ارتفع معدل عمر الإنسان في العصر الحديث، وذلك من فضل الله علينا أن نَسَأ لنا في أعمارنا ونسأله أن يرزقنا مع طول العمر حسن العمل!
وواصلت الحديث بعد أن وجدت أكثر من شخص اقترب منا وأصبح مصغياً:
في السابق على الرغم من قصر الأعمار كان العمر يذهب هدراً. فزيارة لقريب يسكن في القرية نفسها يستغرق ساعة في الذهاب إليه، وساعة في العودة منه وقد تفاجأ بعد ذلك بأنك لم تجده، فتعود أدراجك ولم تحقق زيارتك هدفها.. أما إن كانت الزيارة أو المهمة التي تريد إنجازها في بلد بعيد عنك نسبياً فإنك تحتاج إلى يومين في الذهاب ومثلها في العودة وعدداً من الأيام حتى تنجز مهمتك.. لقد كانت رحلة الحج مثلاً من نجد تأخذ ما لا يقل عن شهر، والآن لا تتجاوز أياما..
الآن أصبحنا نستطيع إنهاء معظم مهامنا بوساطة الحاسب الآلي والأجهزة الذكية من بيوتنا أو من مكاتبنا. ولا نقدم على زيارة صديق أو قريب إلا بعد أن ضربنا موعداً ومكاناً للقاء، ومهدنا لكثير من الأمور التي سنناقشها اختصاراً لوقت اللقاء.
لكنا - مع الأسف - بدلاً من أن نستفيد من الوقت الذي نوفره بفضل الوسائل الحديثة أصبحنا نضيعه بواسطتها أيضاً..
وأشار الشيخ بيده وقال: وفي هذا كفر بالنعمة. أليس كذلك؟
قلت: بلى. الأجهزة والوسائل الحديثة التي سخر الله الأعداء لصنعها لنا من أجل إفادتنا وتسهيل أمور حياتنا أصبحنا نهدر بها أوقاتنا ونضر بها غيرنا ونقطع بها أرحامنا.
وتطوع أحد الحاضرين لإكمال الحوار فقال: صدقت.. أصبحنا نضيع الوقت - كباراً وصغاراً - في نشر الأكاذيب والإشاعات والمقاطع الهزلية التي لا تفيد، وإذا التقينا في محفل أو مناسبة رأيت كلا منا منشغلاً بجهازه فلا يشارك في حديث ولا حوار.
قال أحد الحاضرين المستمعين بإنصات: والأدهى حين يزور أحدُنا والدَه أو والدته فينشغل بجهازه، وربما كان يتحاور مع صديق له يبعد عنه آلاف الكيلو مترات؛ في حين أن أباه أو أمه اللذين جاء باراً بهما لم يحظيا منه بكلمة واحدة.. أليس هذا منتهى العقوق؟!
** **
- سعد عبدالله الغريبي