العنوان بعاليه ليس هذرًا ولا هدرًا ولا محاولة لاستعراض مهارات لغوية أو تقعر في الكلام كما يفعل الإنشائيون عندما يحاولون ملء المشهد بغثهم وغثائهم.
هو محاولة لإعادة تعريف الواقع الثقافي والحياتي من خلال بعض المصطلحات الأدبية المشهورة ومنها التناص والتلاص.
قبل ذلك يجب أن نتذكر أن الإبداع حالة من التجلي والأسبقية، ليست استنساخًا أو سرقة أو حالة من التكرار المقيت لأفكار الآخرين، الإبداع حالة من التفرد تكون منعطفًا بين الما قبل والما بعد، لأنها تأسيس لحالة جديدة تدفع بالوعي وأهله إلى مراتب جديدة من التدبر والتأمل والتفكير.
لذلك فالإبداع كحالة عامة يجوز أن نسميها تناصًا، لأنها ليست مجرد حالة تشابه بين مبدع ونظيره ولكنها قد تكون حالة من الانسجام والتشابه بين عصر وآخر، عصر ساد فيه النور بعد أن كانت الغلبة لتنويريه الذين صادروا الظلام بأفكاره ورموزه، فساد الوعي وأهله ليشرق ضوءاً على كل الزوايا التي استعمرها ذلك الجهل ردحًا من الزمن.
ولما كان الوعي هو حالة من استقرار العقل وقدرته على إدراك ما حوله من ثوابت ومتغيرات والتعاطي معها والتعامل وفق الواقع وما يقتضيه من وفرة أو ندرة لتلك الأشياء، فإن صيرورته وسيرورته حالة من (التناص) المعرفي والسلوكي تظهر في المجتمعات المتقدمة وأفرادها كحالات من التقدم والتفرد والإنتاج والإبداع في شتى المجالات.
التناص (الإيجابي) في الحضارات هو عملية تراكمية تتوارثها الأجيال وتعيد قراءتها ثم كتابتها في صور جديدة من الاستخلاف والحضارة والتمكين، والإبداع هو متن هذه الصور وأصلها الذي وإن تجزأ فيظل حالة مستقلة ليست معادة شكلاً ولا مضموناً وليست مستعادة من فكرة سادت ثم بادت.
أما التلاص بعيدًا عن سياقه كمصطلح أدبي، فإني أراه متلازمة التخلف الثقافي والانحدار المعرفي، كونه فقرًا في المحتوى وتكرار لحالات سابقة يُعاد بعثها من جديد في الأوساط الحياتية ومن ثم تصبح مسلمات وربما البعض يجعلها سوره وخندقه الذي به يتترس ويحتمي.
إن الغثاء الكتابي الذي يصافحنا كل يوم وإن تغيرت العناوين وتعددت الأساليب يظل في حكم التلاص عرفاً ومساراً وآلية حضور ينتهجها الكثير من عشاق الأضواء وطالبي الشهرة، وهذا ما يجعل ساحتنا العربية ترزح تحت وطأة هذه الأساليب المكرورة من الإنتاج الذي صنفته المرحلة وخيباتها ثقافة وإبداعًا وفكرًا.
دعوة لأرباب الفكر والثقافة الحقيقيين إلى إعادة التموضع في المشهد من خلال نتاج معرفي رصين يدفع بحالتنا الثقافية إلى منطقة أبعد، ويضيف لمخزوننا التجاربي والحضاري أرقاماً إيجابية أكثر، تساهم في إعادة تشكيل واقعنا الحياتي لنصبح منتجين عاملين مساهمين في صنع هذه الحضارة الكونية وخاصة أن مساهماتنا الإيجابية في هذا العالم لا تساوي ثمن مكوثنا فيه، فنحن مستهلكون لكل شيء وإن حاولنا الإنتاج فتظل محاولاتنا خجولة، فهي في أفضل الأحوال بضاعة مزجاة تشغل حيزًا ظاهريًا في هذا الكون ولكن بلا ثقل يشفع لها بالحضور والتأثير والتنفذ.
** **
- علي أحمد المطوع