حسن اليمني
إذا أردت أن تملكه فأكرمه، إذا أردت أن تكون ذا أثر وفعل فساهم وشارك، هكذا تصطاد الدولة الكبرى ضحاياها من الدول النامية.
تحول النظام الرأسمالي العالمي إلى نظام استحواذ وسيطرة وتحكم بطرق ذكية وجذابة تحت شعارات إنسانية ومساواة عادلة الوقوف أمامها أو مواجهتها خروج عن المنطق وعبث شيطاني، يدعم ويسند ذلك إعلام ناعم وفن ذكي في المسرح والسينما في جانب، ومال وصناعة من جانب آخر إضافة إلى قوة عسكرية متقدمة كمثلث ركيزة السيطرة والاستحواذ.
في نفس الوقت تلهث الدول الناشئة عن قريب للبحث عن وجودها وبناء ذاتها مستعينة بالخبرة والقدرة ولا تجدها إلا لدى دول العالم الحركما يسمى اليوم الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة الأمريكية هي القمة والمملكة المتحدة البريطانية مع فرنسا جناحا الصقر الأمريكي المهيمن على دول العالم حاكم وقاض ومنفذ للعقوبات ومانح صكوك العفو والغفران.
خرج من القمقم في العقود القليلة الماضية «تنين» ضخم بدا مستعدا لأكل الأخضر واليابس ولا حدود لشراهته غير أنه لا يستخدم أنيابه ولا أظافره وإنما يزحف على بطنه بشكل يسابق النسر والفهد والضفدع، وسعت الولايات المتحدة الأمريكية لاحتوائه وإظلاله تحت جناحيها بنظام «تايوان» و»هونج كونج» التابعة للحليف البريطاني في البدايات لكن ذلك أخذ « التنين الصيني «نحو الاتحاد السوفييتي آنذاك أو روسيا حالياً، وحين فشلت الخطوة الأولى عاد النسر الأمريكي مرة أخرى ليجرب التعاون والشراكة البناءة ظاهرياً مثلما تفعل دوماً مع الدول النامية الأخرى لكن «التنين الصيني» يبدو مستعصياً بالاعتماد على الذات حتى خرج وشب عن الطوق وتقدم ليصبح المنافس الأخطر للهيمنة والنفوذ الأمريكي في العالم.
الدول النامية أو دول العالم الثالث باتت تغازل «التنين النظيف» بغية الانعتاق من ثقل وطأة الرجل الأبيض الحاكم لدورة النظم والسياسة في العالم، لكن خيوط العنكبوت المطوقة ضعفت هذه الدول زرعت القلاقل والفوضى الخلّاقة في المناطق الحيوية لتشغل هذه الدول في وجودها واستقرارها واختارت ما سمته بمنطقة الشرق الأوسط ومنحت فرنسا إدارة أحوال دول أفريقيا النامية ولبريطانيا مستعمراتها في أمريكا الجنوبية وآسيا كتوزيع أدوار في محاولة لمحاصرة هذا «التنين الوحشي» القادم بقوة، ولأن الصين لم تكن تصعد من خلال امتصاص دماء الدول الأخرى النامية وإنما على سواعد أبنائها وبمقدراتها الذاتية فقد كان مزيد من الهيمنة الغربية على الدول النامية غير قادر على تشكيل عائق دون مزيد من التقدم حتى بلغ العظم الأمريكي ليخرج السيد دونالد ترامب من طوره ويصبح له في كل صبح عقوبات وسياسات تجاه الصين.
تبقى جمهورية «الأكوادور» أدق وصف للدول النامية التي انبطحت وسلمت رقبتها للنسر الأمريكي لتصبح اليوم مثالا واضحا على فشل الرهان على الخبرة والوصاية الأمريكية ويقابلها مثل الصين في سرعة وقوة وصمود انطلاقها اعتمادا على ذاتها بعيداً عن كرامة ووصاية النسر الأمريكي، وبين الصين والاكوادور دول نامية كثيرة بعضها يئن ويشتكي وبعضها لا زال يمني نفسه أنه على صواب وإن فرج الله قريب، وبعضها الآخر اتبع النهج الصيني قدر الإمكان وبحذر محاولا تجنب إغضاب النسر الأمريكي لنيل ما يمكن الاستفادة منه دون أن يغفل الاعتماد على الذات بمعنى بين بين سعياً للخلاص في النهاية بأقل الخسائر.
هذا في الواقع حال عالمنا اليوم وما نراه من أحداث وتقلبات ما هي إلا جزئيات ماكينة التحرك العالمية ينغمس فيها نصر وعداء تأييد ومقاومة من يستمتع بالمشاهدة ويكتفي بها بدلا عن البحث في العمق وقراءة النتائج والمخرجات، تحول بعضهم إلى عدو لذاته وقيمته وهويته إمعاناً في التبعية وإيماناً أنه قضاء لا مفر منه ومصير محتوم لا خيار بديلا عنه، وحين يتحدث المحاسب المالي طلال أبو غزالة عن قرب حرب عالمية ثالثة، فالكل أوالغالب من المتابعين يراه أضغاث أحلام أو تنبؤات مشعوذ في قم، والواقع أن العالم الرأسمالي الذي انتهى إلى العالم «الحر» كما يحلو لهم وصفه هو أي العالم الحر يدخل آخر معاركه قبل السقوط وإعلان فشل النظام الديمقراطي المزعوم بالحرية والعدالة والمساواة وهو في صحيح الفعل نظام نخب رأسمالية ساعية للهيمنة والاستحواذ على مصير الأمم الأخرى بلا عدل أو حرية أو مساواة.