محمد آل الشيخ
من إيجابيات الأزمات والأمور الطارئة أنها تُظهر معادن الرجال، ومكارم أخلاقهم، ومدى إنسانيتهم، وقبل كل ذلك وطنيتهم ووفاؤهم لأهلهم وذويهم. جائحة فيروس كورونا التي اجتاحت العالم من أقصاه إلى أقصاه، ومنها بالطبع المملكة، أظهرت الرجال، وأفصحت عن مدى حبهم لأوطانهم ولأهل أوطانهم. فقد قام مجموعة من مُلاك العقارات في المملكة بمبادرة التنازل عن دفعة الإيجار المترتبة على مستأجري عقاراتهم، بعضهم قدمها مساهمة منه للوطن وأهل الوطن، والبعض الآخر أجّلها إلى أجل يكون فيه المستأجرون قادرين على الوفاء بما يترتب عليهم من إيجارات. مثل هذه المبادرات الكريمة تدل أول ما تدل على معادن الرجال، ونبل أخلاقهم، وأريحيتهم، ومواقفهم المعطاءة لأبناء وطنهم. فالوطن هنا بمنزلة الأب الحاني الذي كان له الفضل بعد الله فيما هم يرفلون فيه من سعة في العيش ونعمة ونعيم ورخاء، والآن جاء الوقت لرد الجميل للوطن الذي أعطاهم، وأتاح لهم الفرص، وأغدق عليهم.
الجائحة وإن طال أمدها فلا بد لها من نهاية، وعندما تنقشع الغمة، وتنتهي الأزمة، ستبين أيضًا من هم الأوفياء لأوطانهم، ومن هم السلبيون الذين تتملك الأنانية، وحب الذات، جميع تصرفاتهم ورؤاهم لشركائهم في الوطن.
فبلادنا -أيها السادة- تمرّ بها أزمة، تحتاج منكم لمواقف وتضحية، وكل من لا يقف معها في هذه الظروف فهو ليس بخيلاً فحسب، بل هو في تقديري ناكر للمعروف، خاصة من أولئك الذين يملكون، وبإمكانهم المساهمة في حصار هذه الجائحة بمواقفهم، والتقليل من تبعاتها السلبية على المواطنين.
إن كل ما ينعم فيه إنسان هذه البلاد من أمن أولاً، ومن خيرات في كل المجالات، وفرها له الوطن في أيام الرخاء، وجاء الآن الوقت الذي يرد فيه المواطن الدين لوطنه. ولك أن تنظر حولك، وتقارن توافُر كل المستلزمات الحياتية في بلانا، وتقارنها بتلك الطوابير الممتدة التي تكالبت على متاجر المستلزمات الحياتية في الخارج؛ لتعرف أن هذا التميز الذي تحظى به، وتنعم في خيراته، كان وراءه قادة أخلصوا فيما أُوكل إليهم من مسؤوليات، وها هو هذا الفيروس اللعين يمرّ بنا بأقل قدر من الخسائر والتبعات. ولن تنتهي هذه الجائحة إلا إذا شاركنا المسؤولين بتحمّل ولو جزء يسير مما تحملوه.
إنني في هذه العجالة أهيب بكل الملاك والأثرياء للمساهمة في هذه الجهود التي تبذلها الدولة، حسب الاستطاعة. ومثل هذه المواقف لن تضيع؛ لأنك في النهاية تحافظ على بيتك الكبير وبيتك الصغير من غوائل الزمان، ونوائب الدهر. وصدقوني أن من يقف اليوم مشاركًا في حصار هذه الجائحة فلن تضيع مواقفه، فضلاً عن أنها من قيم المروءة ومكارم الرجال بقول الشاعر:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
إلى اللقاء