د. حمزة السالم
يُستخدم أسلوب التعميم والتخصيص في الخطاب من أجل الإيضاح، لا من أجل الإيهام والتشويش، إلا إذا كان الإيهام والتشويش وتضييع الفكرة وصرف المحاجة عن غرضها الأساسي هو غرض التعميم.
وبما أن الأصل في الخطاب الإيضاح فالأصل إذن التخصيص فيه. وأما التعميم فهو استثناء لبلاغة خطابية، أو اختزال لحالات معروفة، أو غالبة يكون استثناء أفراد منها تخصيصًا قويًّا لجميع أفراد العموم الباقي.
و«ما بال أقوام» عبارة استخدمها عليه السلام زيادة في التوضيح والإبانة، وذلك بعضٌ من عظم بلاغته وحكمته. فالتعميم غموض وضبابية، وحاشاه عليه السلام. لذا تراه عليه السلام يأتي بها أحيانًا في أسلوب التوضيع والإهانة كما في حال أبي بن سلول زعيم المنافقين، والكل كان يعلم من هو المقصود بعبارة «ما بال أقوام». واستخدمها عليه السلام من باب البلاغة في التبليغ كحديثه عن شروط أولياء بريرة الباطلة، وإلا فهم معروفون. واستخدمها عليه السلام من باب العفو، ومن باب التعليم العام. والمقال لا يتسع للاستشهاديات. ولكن إذا احتاج الأمر للتعيين عيَّن وسمى عليه السلام؛ فهو من قال مسميًا «إن آل فلان وآل فلان ليسوا لي بأولياء»، وقال تخصيصًا «بئس أخو العشيرة هو»، وغير ذلك.
والتخصيص بالاسم كذلك قد يكون أحيانًا تعميمًا. فتسمية الشخص لا تعني قصده لذاته بل استخدامه فقط كعينة، ومثال على من هو على شاكلته. وهذا الأسلوب يُستخدم عندما لا يكون الهدف ذات العينة نفسها، بل المقصود هو ما شاكلها من أشباهها أو أتباعها. وتخصيص عين (المُسمى) من أجل التوضيح للآخرين هو أسلوب قرآني في ضربه الأمثال في الأقوام الهالكة وبعض كبرائهم؛ من أجل الإيضاح والاعتبار للآخرين.
وقد يُستخدم التخصيص في عين مُسماة لغرض الاتقاء من بطش استبدادي؛ وذلك من أجل صرف نظر البغاة من المتنفذين في المجتمع فلا يبطشون بالكاتب أو المتحدث. وهذا أسلوب مشابه من وجه ما فن استخدام أسلوب الخضر في خرقه للسفينة.
وقال عروة بن الزبير «كذب ابن عباس» -رضي الله عنهما وعن أبيهما جميعًا-. ونسمع المتنافسين على الرئاسة الأمريكية، وكلٌّ يتهم منافسه بالكذب، ويرد عليه الآخر بالمثل، هذا وهم أهل الحوار والنقاش في العالم أجمع. ثم نرى المحللين السياسيين والمفكرين والاستراتيجيين يناقشون المواضيع المتعلقة دون التطرق أبدًا لماذا «الشخصنة» أو لماذا «لم يتلطف»، بل الحوارات كلها تدور حول جوهر الموضوع، فإن كان أحدهما لم يقل الحقيقة فهو يكذب، فلِمَ الإبهام والتضييع في التعميم؟ وإذا لم يُحدد مَن الذي كذب فستضيع المسألة، وتتفرق في كل أعضاء الحملة الانتخابية؛ فتصبح بلا قيمة، كالدم المفرق بين القبائل.
ولو أن مثل هذه الحوارات التي جرت في الانتخابات الأمريكية جرت عند غيرهم لانصرف الناس عن جوهر المسألة، وانشغلوا بالمطالبة بالتعميم والتحريف، وعدم الشخصنة، ومن ثم تضييع المسألة، وتركوا جوهر المواضيع التي تُناقَش.. وكلٌّ على قدر عقله.