الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
الإسلام بما يحمله من قيم وعقائد هو المرجعية والبوصلة التي تحكم وتحدد اتجاه المجتمع، وتشهد المرحلة الحالية مشاكل أسرية كبيرة نحو التفكك الأسري، وزيادة الطلاق، والعنف الأسري وغيرها.
وأصبح دور الأسرة ضعيفاً لأنه يشاركها في التنشئة الإعلام والمدرسة والعمالة المنزلية؛ مما يوجب وضع التساؤل عن الحلول لهذه الأزمات، وتفاقم المشكلات الأسرية ينذر بمخاطر وخيمة على وحدة المجتمع وتماسكه، وحينما تتزايد المشكلات تمثل ظاهرة مجتمعية خطيرة تبحث عن الحلول العاجلة.
«الجزيرة» التقت عددا من المتخصصين والمهتمين في الشأن الأسري والاجتماعي؛ ليتحدثوا حول تلك القضية المهمة:
تغيرات وتحولات
يقول الدكتور خالد بن عمر الرديعان أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود بالرياض: في مراحل التحول الكبيرة كالذي يعيشه مجتمعنا الآن يحدث بعض السلبيات المرتبطة بالتحول وهذا من طبيعة الأمور، وفي مرحلة ما يحدث توازن بعد أن يتكيف المجتمع مع هذه التحولات، ولعل أهم ما نلمسه في الفترة الأخيرة ما طرأ على بنية الأسرة السعودية من تغيرات وربما بعض المشكلات بسبب التحول ومنها: زيادة معدلات الطلاق، وتأخر سن الزواج، بل وانصراف بعض الجنسين عنه، والتفكك الأسري، وبروز بعض الدعوات النسوية المتطرفة التي تنادي بالمساواة التامة بين الجنسين في كل شيء بما في ذلك أمور مقررة شرعا كشرط ولي المرأة في الزواج، والميراث وغيرها من القضايا المقننة شرعا. ويربط البعض هذه الدعوات بمسألة تمكين المرأة وما ترتب على ذلك من سلبيات، مشيراً إلى أن هذه الدعوات تبتعد كثيراً عن الطرح الإسلامي الذي هو دستور المجتمع السعودي، وصحيح أن حقوق المرأة وبفعل الثقافة والتقاليد تتعرض في الغالب للاعتداء عليها والنيل منها، لكن الأنظمة واللوائح المعمول بها في المملكة تضمن عدم الاعتداء وإعطاء كل ذي حق حقه من الجنسين، وما نحن بحاجة إليه الآن هو إعادة صياغة مفاهيم حقوق المرأة والأسرة ومفهوم التمكين بطريقة تضمن عدم الشطط والخروج عن الثوابت الدينية، وصحيح أن هناك نصوصا دينية قابلة للرأي والاختلاف وهنا يلزم تفسيرها بطريقة تضمن حقوق الجميع مع تطبيق وسطية الإسلام وعدم التشدد في بعض الأمور، ولكن الإسلام واسع وديناميكي ومناسب للزمان والمكان ويمكن التوفيق بين ما يطلبه منا وما نراه في العالم من تغيرات، وهنا يقع على كاهل علمائنا في الشريعة والجهات العدلية مسؤولية كبيرة في إشاعة الوسطية التي طالما تحدثنا عنها لتخفيف حدة التوترات المصاحبة للتحول، وللخروج بصيغ مناسبة تضمن سلامة المجتمع، والحفاظ على كيان الأسرة من التصدع.
أسباب التفكك
ويحدد الشيخ عبدالرحيم بن محمد الثميري مأذون الأنكحة بمحافظة المجمعة أسباب التفكك الأُسري، وذلك وفق التالي:
1 - الأب المنهمك بالعمل الذي لا يجد وقتاً ليقضيه مع أسرته ولا يجد وقتاً ليقدم المعونة المعنوية لزوجته.
2 - الأم الحاضرة الغائبة فالمرأة المنشغلة بعملها عن أسرتها، قد لا تمنح الزوج العناية بشؤونه الخاصة واحتياجاته.
3 - صراع الأدوار وهو من أهم مسببات التفكك الأسري، حيث يتمثل بتنافس الزوج والزوجة ليحل أحدهما مكان الآخر.
4 - وسائل الاتصال الحديثة.
5 - الخدم أصبحت الخادمة تحل محل الزوجة في كافة أمور المنزل، وكذلك السائق يحل محل الزوج أحياناً، فيقوم بخدمة توصيل الأم والأطفال.
6 - الوضع الاقتصادي للأسرة يتسبب الوضع الاقتصادي للعائلة سواء بحالة الثراء أو الفقر.
مشيراً إلى أن التفكك الأسري يتسبب بضعف شعور الأبناء بالأمان والاستقرار داخل الأسرة، وقد يلجأ أحد الأبناء إلى تحقيق الأهداف المرجوة بطرق غير مشروعة بسبب التفكك الأسري، وعلى الأم والأب السعي الدائم لتقوية العلاقة بينهما، وحل مشكلاتهما بأسلوب راقٍ، بعيداً عن العنف والصراخ، كما أن وجود الوالدين العاطفي والنفسي والروحي والجسدي بين الأبناء، وتخصيص وقت خاص؛ لمعرفة مشاكل الأبناء واهتماماتهم وحاجاتهم.
تنمية وتثقيف
ويؤكد الأستاذ سليمان بن صالح الصراف رجل الأعمال على دور الأسرة لأنها العامود الفقري لحياه الإنسان متى صلح الأفراد، ولذا أرى شخصياً أن المسؤولية على الأسرة أكبر وأكبر من السابق؛ ففي السابق كان هناك تكاتف اجتماعي يسند الأسرة الصغيرة، واليوم تعاظمت المسؤولية التربوية والتوجيه والمتابعة وأصبحت الأسرة تواجه تيارات كثيرة تحير رب الأسرة كيف يتعامل؛ مشدداً على أن التثقيف والاستماع والتوجيه يتطلب اليوم أسلوباً مقنعاً، فمسائل تفكك الأسر هذا يبدأ من الأسرة ذاتها وضعفها في التربية، ونحن في مجتمع نسبة نموه السكاني عالية؛ لذا أرى تنمية وتثقيف وتعليم بوسائل كثيرة مع ضوابط متعددة، ومنها الرقابة المدرسية لسلوك الطفل مع تفعيل وتقوية الباحث الاجتماعي بالمدرسة، وتفعيل دور وزارة العمل في الجانب الاجتماعي وإذا حميت الأسرة حمي المجتمع والدولة.
الرقابة الذاتية
وتشير الأستاذة مريم الحمد المطيري رئيس جمعية لطف النسائية لمكافحة العنف الأسري بالقصيم أن الإسلام شريعة صالحة لكل زمان ومكان، ومع هذا التطور وفي ظل العولمة والتوسع في مجال التنشئة الذي يشارك فيه مع الأسرة الإعلام بشكل كبير وجماعة الأقران والانفتاح على العالم الخارجي وجب القول إن الرسول هو الموجه الأول في التربية وأن نهجه في التربية هو الأصلح، ويقع على الوالدين التلطف مع أبنائهم والبعد عن أساليب التعسف والمنع المطلق لكل ما هو مستحدث وتربية الرقابة الذاتية وترسيخ العقيدة بشكل سليم، واتخاذ نهج الصداقة مع الأبناء لتكون الأسرة هي الملاذ لأفرادها في حال احتياجهم، ودور الأسرة دور جوهري في عملية التربية ويجب على أولياء الأمور الحرص الشديد على تطوير أنفسهم في مجال التربية لضمان صحة الأسرة الاجتماعية والنفسية.
أقدس العلاقات
وتبين الأستاذة هند بن محمد الفقيه مديرة إدارة الجودة وقياس الأداء بإدارة تعليم حائل أن العلاقات الأسرية هي أسمى وأقدس العلاقات على وجه الأرض؛ فبذرتها، تبدأ بين فردين بالزواج، ثم أفراد بالإنجاب، إنها كالشجرة التي تمتد أوراقها ليستظل بها الجميع فهي الحضن الدافئ والحصن الأمين لكل من يأوي إليها، ولما كانت السعادة الزوجية ليست منحة أو هبة بل هي كسب، فإنه لا بد لضمان هذا الكسب من تعاون كل من الزوج والزوجة والمجتمع ومؤسساته في سعي حثيث من أجل العمل على تحقيق أسباب التكيف، وتجنب دواعي الخلاف، وزيادة عوامل وأسباب التوافق والانسجام.
فاستقرار الأسرة لا يقتصر على ما يحدث بين أفرادها وعلاقاتهم ولكن وجود عناصر هامة تؤثر سلباً أو إيجاباً في ثبات تكوين هذا النسيج الأسري كقنوات التواصل الاجتماعية والمدرسة والمجتمع المحيط فجميعها تلعب الدور الأبرز في التكوين والأمان الأسري لذلك وجب استثمارها كي تكون معول بناء لا هدم للأسرة وبالأخص قنوات التواصل الاجتماعية الضارة والتي أثبتت الدراسات البحثية ارتفاع معدل الطلاق بسبب ما تبثه من مهددات للاستقرار العاطفي والنفسي والاجتماعي بين الأزواج.
كما وقد ترجع الأزمات الأسرية إلى إفرازات الحضارة الحديثة على أسرنا الإسلامية مثل: إطلاق العنان للمرأة، لتذهب إلى حيث تريد ومتى تريد، وبالتالي قد لا تعرف الشيء الكثير عن الأسرة، مما يدفع الزوج (الشرقي) إلى الحد من تلك الحرية فينشأ عن ذلك خلافات زوجية، وقد يرجع إلى عدم نضوج عقلية الزوج أو الزوجة بالدرجة الكافية لمواجهة أمور الحياة، ووضع تصور لوسائل العلاج التي يمكن أن تساهم في تخفيف هذه المشكلة، وترشد الناس إلى مفاهيم يجب أن تسود بينهم وما يجدي في علاجها التوجيه والإرشاد بأسلوب علمي يخاطب العقل والوجدان، ولا بد من بذل الجهد لتصحيح المفاهيم الخاطئة والتقاليد المضرة حتى لا يصبح الطلاق ظاهرة متفشية مزعجة تهدد المجتمع بمشكلات متنوعة تمتص طاقاته وقدراته.
ويتفق الباحثون في مجال الإرشاد والتوعية الأسرية على ضرورة تعاون جميع المهتمين بالدراسات الأسرية من علماء الاجتماع، وعلماء الدين وعلماء النفس، وعلماء الاقتصاد، ورجال القانون، ورجال السياسة في وضع خطط التوعية الأسرية، وبرامج وقائية.
حلول مقترحة
وتقدم الفقيه مجموعة من الحلول لمواجهة هذا الخطر الأسري:
- أن تهتم وسائل الإعلام بتخصيص برامج يومية أو أسبوعية توضح الأسس التي تقوم عليها الأسرة في الإسلام، وتبين الآثار السلبية للطلاق، ونشر الوعي بين أفراد المجتمع والتركيز في ذلك على فئة الشباب لأنهم هم أكثر فئة متأثرة بذلك.
- إنشاء مكاتب مختصة بشؤون الأسرة يشرف عليها علماء الشريعة والاجتماع والتربية، وتكون مهمتها التدخل لحل المشكلات الزوجية والحيلولة دون وصول الأمر إلى القاضي للطلاق.
- ضرورة إدخال بعض البرامج النظرية والعملية في مناهج السنوات النهائية في المرحلتين الثانوية والجامعية، تكون مختصة بالأسرة على نحو ينمي المفاهيم الصحيحة ويعد الأبناء لحياة زوجية سعيدة.
- أن تقوم المؤسسات الاجتماعية مثل: مراكز التنمية الاجتماعية - مكاتب التوجيه والاستشارات الأسرية ودورها في الاندماج داخل المجتمع، وعمل روابط بين الأسر وبعضها البعض لخلق المزيد من الروابط الاجتماعية والتوعية بوظائف الأسرة، وكيفية تنظيم الحياة العائلية من جميع النواحي.
تصدي الأسرة
وتشير الأستاذة عائشة بنت عادل السيد رئيس مجلس طفولة آمنة أنه مهما عصفت بتربية الأبناء العواصف، ومهما تناوشت مخالب العولمة والإعلام والميديا وتطبيقات التواصل جسد التربية، ومهما اتهمنا هذا الزمان وعبنا انفتاحه وتأثيره على سلوكات أبنائنا يظل للأسرة دورها البارز والحيوي والعميق في التصدي لكل هذا ويظل لها أثرها الملموس الآني واللاحق على أبنائها؛ فالأسرة هي الخلية الأولى في كيان المجتمع وهي مصدر التربية والمعرفة لأبنائها فمن الأسرة يستقي الأبناء عقائدهم وأخلاقهم وأفكارهم وعاداتهم ويتأثر الطفل بوالديه حتى قبل أن يولد فهو يتأثر بكل حالة نفسية تمر بها الأم وهو في رحمها فينمو دماغه نمواً سليماً إذا استشعر سعادة الأم من خلال رباط الحبل السري بينهما ويتأثر دماغه بالانقباضات التي تحدث للأم جراء الحالة النفسية السيئة التي تمر بها فترة الحمل فيحدث بطء شديد في نمو الذكاء لديه ثم يأتي للحياة بين والدين ليس من مقاصد ارتباطهما السكن والمودة بل تبادل المصالح التي إن انتهت منيت الأسرة بالطلاق والشتات مما ينعكس سلباً على حياة الأبناء؛ فيما لو ساد بين الوالدين وأفراد الأسرة جو من التقبل والاحترام، ومنح الأبناء الحب بوعي والرعاية بمعرفة والتوجيه بوالديه تخلو من السخرية والتحقير والنقد والوعيد والإدانة بحيث يصبح خطأ الابن خطيئة، وزلته ذنب لا يغتفر.
هنا نقول إن الابن بأمان حتى وإن انحرف وشذ في مرحلة من حياته إلا أنه سرعان ما يعود لما نشأ عليه من خلال أسرته راسخة القواعد محكمة البنيان، وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه.