محمد بن إبراهيم الحسين
تشي بعض الملاحظات والحسابات والقوانين الفيزيائية والظواهر والتكوينات الفلكية أن كوننا واحد من عدد شبه لا نهائي من الأكوان المتعدِّدة التي يقدَّر عددها بـ(10 أس 120) أي (1 مع 120 صفر)، ويعني ذلك أن عدد الأكوان في الوجود أكثر من عدد الذرات في كوننا بما فيه من مجرات ونجوم وكواكب وسدم! وهو عدد خيالي شبه لا نهائي؛ مما يعني اشتماله على كافة الاحتمالات ومنها وجود أكوان ككوننا تحوي نفس المجرات والنجوم والكواكب ومنها كواكب ككوكب الأرض بما تحويه من تكوينات جيولوجية وكائنات حيَّة، بل وحتى نفس الشخصيات البشرية عدا أنها تعيش أحداثاً مختلفة وتصير إلى مصائر مختلفة!
والأكوان المتعدِّدة نظرية مثيرة وفرضية منطقية لا يوجد بديل أكثر منطقية منها، ولكنها تبقى فرضية رياضية غير مثبتة بدلائل قطعية أو تجارب عملية؛ حيث لا تثبت أي نظرية فرضية إلا إذا وجدت أدلة تؤيِّدها يتم التوصل إليها بالملاحظات والتجارب؛ ولكن ثبت أن الحسابات والمعادلات الرياضية تقدِّم دليلاً موثوقاً عن طبيعة الأشياء التي لم نتمكّن بعد من مشاهدتها أو ملاحظتها أو تجربتها، وسابقاً تنبأت الرياضيات ببعض الأشياء مثل الثقوب السوداء وبعض الجزيئات ما دون الذرية قبل اكتشافها بزمن طويل، ثم اكتشفت واتضح صحة ودقة التنبؤات الرياضية! والآن تتنبأ الرياضيات بوجود أبعاد كثيرة وبوجود أكوان متعدِّدة ومتوازية!
إن نظرية الأوتار التي تثبت الأبعاد المتعدِّدة وتستنتج الأكوان المختلفة وتفترض الأكوان المتوازية، والتي يسعى العلماء من خلالها إلى صياغة نظرية أطلقوا عليها مسمى النظرية «M-theory»، هي أحدث الفرضيات التي لم تطرح إلا قبل عدة أعوام وما زالت لم تتبلور وتكتمل لتصبح نظريات علمية، ومن يرى أنها مجرد شطحات فكرية وخيالات وهمية فإنه يجب أن يعلم بأن المسلمين تطرقوا لها قبل مئات الأعوام، فمن العجيب أن تلك الفرضية تحدث عنها عربي عاش في جزيرة العرب قبل أكثر من 1400 عام؛ حيث روي أن رجلاً سأل عبدالله بن عباس عن معنى قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}. فسكت ابن عباس. فقال السائل: ما يمنعك أن تجيبني؟! فقال ابن عباس: وما يؤمنك أن لو أخبرتك أن تكفر؟! ثم قال: (سماء تحت أرض وأرض فوق سماء، مطويات بعضها فوق بعض، سبع أراضين في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى، وابن عباس كابن عباس).
ذلك التفسير الذي لم توضحه آيات القرآن الكريم ولم يحدث به النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يبحث من النواحي العلمية والتاريخية إلى الآن، ولا يزال المسلمون يمرون عليه مرور الكرام ويتناولونه كحديث غريب وغير مفهوم؛ نتيجة ضعف المحصول العلمي وضحالة الحصيلة الثقافية عند العرب والمسلمين، ونتيجة عدم اهتمامهم بالجوانب العلمية وعدم اطلاعهم على آخر النظريات الفيزيائية والكونية؛ رغم أن ذلك التفسير يلخص نظرية الأكوان المتعدِّدة والأكوان المتوازية قبل أن يطرحها العلماء بأكثر من ألف عام!
وبتبلور نظرية الأوتار وما يستنتج منها من تعدّد الأبعاد والأكوان؛ فإن من الواجب تناول ذلك التفسير بدراسات أكثر جدية لمعرفة حقيقة الأسس العلمية التي بنى عليها تفسيره الذي لم يتبلور في أذهان كبار العلماء إلا بعد أكثر من ألف عام رغم ما تحت أيديهم من وسائل وإمكانيات!