د. محمد عبدالله الخازم
هناك قلق دائم في التعليم والصحة وغيرهما من الخدمات الاجتماعية حول قضية العدالة، وهل نحن نقدم الخدمة بشكل عادل للجميع أم أن هناك تفضيلاً - في الغالب يرتكب دون وعي- لفئة دون أخرى، أو هناك طبقية في نوعية الخدمة تنبع من مبدأ القدرة المادية أو الاجتماعية... إلخ؟ ومع التوجه نحو التعليم عن بُعد، والتعليم الإلكتروني، يبدو السؤال ذاته يتكرر: هل هناك ضمانات لتطبيق العدالة في هذا النوع من التعليم؟ هل كل طالب لديه جهاز كمبيوتر وكاميرا ومايكروفون واشتراك بخدمات الإنترنت؟ هل كل طالب يجيد استخدام التقنيات والأنظمة المتعلقة بهذا النوع من التعليم؟
أعلم أن أزمة كورونا -مثلاً- لم تتح الفرصة لكثير من الاستعداد، ولم أقرأ حول جاهزية الطلاب في هذا الجانب؛ هل تتوافر لدى الجميع الأجهزة والمعرفة الخاصة بالتعليم عن بُعد أم أننا وضعنا لهم الرابط وتركناهم للعوم في المحيط وحدهم؟ جامعاتنا تتنافس في تصريحات تتفاخر بالنجاح في هذا المضمار، فهل تحملت أي منها مسؤوليتها الاجتماعية بتوفير أجهزة كمبيوتر لمن لا تتوافر له؟ هل تتوافر أجهزة الكمبيوتر والتجهيزات المساندة كالكاميرا والمايكروفون في السوق، وبأسعار في متناول الجميع؟ هل هناك صناديق طلاب تحركت لدعم الطلاب في هذا المضمار؟ هل هناك دورات للتعريف بالتقنيات؟ والأمر ليس فقط للطلاب، بل حتى الأساتذة هل جميعهم يجيدون استخدام التقنيات، وتتوافر لديهم الأجهزة للتعليم عن بُعد؟ هل جميع الأساتذة لديهم أجهزة حاسب بتقنيات مناسبة في منازلهم لتقديم دروس التعليم عن بُعد؟ هل سيُحرَم الطالب الذي معلمه جاهل بتقنيات التعليم عن بُعد من تعليم يعادل لما يحصل عليه زميل أخر؟ ألا يُخشى أن يؤثر كل ذلك على عدالة التعليم عن بُعد؟ التعليم العام ينطبق عليه الأمر نفسه؛ هل يتوافر لكل طالب جهاز حاسب آلي في المنزل؟ هل هناك مبادرة، سواء رسمية أو مجتمعية لفعل ذلك؟
لا يوجد لدي إجابات أو إحصائيات لكن مهمة الناقد طرح السؤال الذي لم يطرحه الآخرون علنًا. ورسالتي هنا: لا تفترضوا أن الجميع يمتلك الإمكانات، ولا تحرموا الفئات الأقل حظًّا من التعليم الجيد. كما أنني أود حث الجميع، سواء المؤسسات التعليمية أو التطوعية أو رجال الأعمال، على تبني مبادرات في هذا الشأن. نريد أن نرى جهاز حاسب بتجهيزاته اللازمة لكل طالب وطالبة. يجب مساعدة المعلمين والمتعلمين في إتقان التعليم عن بُعد، أو في توفير الأجهزة للمحتاجين إليها، أو غير ذلك من أنواع المساعدة. أحث مؤسسات التعليم -وجهودها مقدرة من الجميع في هذه الأزمة العالمية- على أن تعترف ببعض هذه المشكلات؛ فلن نلومهم على وجودها؛ لأننا نقدر الظرف الاستثنائي الذي نمرّ به. وما لم نتصارح حول الصعوبات فإننا لا نتساعد في حلها.
عدالة التعليم تعني أن يتساوى أفقر طالب مع أغنى طالب في الحصول على المتطلبات الأساسية. ليس بالضرورة أن يتساووا في نوعية وسعر جهاز الحاسب الآلي، ولكن في توافُره.