أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: قال الله سبحانه وتعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}، [سورة البقرة/ 196]؛ ومن المعلوم: أن ثلاثة مع سبعة عشرة؛ فلماذا وردت كلمة (كاملة)؛ فهل يعقل أن تكون ثلاثة ومعها سبعة غير كاملة؟؟؛ ولقد علق الأستاذ (أبو الحسن علي بن أحمد الباذش): بقوله عن: (تلك عشرة كاملة): تلك إشارة إلى مجموع الأيام المأمور بصومها قبل الرجوع إلى بلده، ومعلوم أن ثلاثةً وسبعةً عشرة؛ فقال الأستاذ (أبو الحسن الباذش) المذكور آنفاً ما معناه: أتى بعشرة توطئةً للخبر بعدها، لا أنها هي الخبر المستقل به فائدة الإسناد، فجيء بها للتوكيد، كما تقول: زيد رجل صالح، وقال ابن عرفة: مذهب العرب إذا ذكروا عددين أن يجملوهما؛ وحسن هذا القول الزمخشري بأن قال: (فائدة الفذلكة في كل حساب أن يعلم العدد جملةً كما علم تفصيلاً؛ ليحاط به من جهتين؛ فيتأكد العلم، وفي أمثال العرب: علمان خير من علم.. قال ابن عرفة: وإنما تفعل ذلك العرب لقلة معرفتهم بالحساب، وقد جاء في أقوالهم: لا يحسب ولا يكتب، وورد ذلك في كثير من أشعارهم قال النابغة:
توهمت آيات لها فعرفتها
لستة أعوام وذا العام سابع
وقال الأعشى:
ثلاث بالغداة فهي حسبي
وست حين يدركني العشاء
فذلك تسعة في اليوم ربي
وشرب المرء فوق الري داء
[ومعنى تربي: تزيد]، وقال الفرزدق:
ثلاث واثنتان وهن خمس
وسادسة تميل إلى شمام
وقال آخر:
فسرت إليهم عشرين شهرًا
وأربعةً فذلك حجتان
وقال (المفضل): لما فصل بينهما بإفطار قيدها بالعشرة ليعلم أنها كالمتصلة في الأجر؛ وقال الزجاج: جمع العددين لجواز أن يظن أن عليه ثلاثةً أو سبعةً، لأن الواو قد تقوم مقام: أو، ومنه{مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [سورة النساء/ 3] فأزال احتمال التخيير؛ وهو الذي لم يذكر (ابن عطية) إلا إياه، وهو قول جار على مذهب أهل الكوفة لا على مذهب البصريين؛ لأن الواو لا تكون بمعنى: أو.. وقال (عطاء) أيضاً، و(مجاهد): لا يصومها إلا في عشر ذي الحجة، وبه قال (الثوري)، و(الأوزاعي)؛ وقال (ابن عمر)، و(الحسن)، و(الحكم) [رضي الله عنهم جميعاً]: يصوم يوماً قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة؛ وكل هؤلاء يقولون: لا يجوز تأخيرها عن عشر ذي الحجة؛ لأنه بانقضائها ينقضي الحج.. وقال (علي)، و(ابن عمر) لو فاته صومها قبل يوم النحر صامها في أيام التشريق، لأنها من أيام الحج، وعن (عائشة)، و(عروة)، و(ابن عمر) في رواية ابنه (سالم) عنه: [على كل من مر ذكره سلام الله ورضوانه وصلاته وبركاته]: أنها أيام التشريق.. وقيل: زمانها بعد إحرامه، وقيل: يوم النحر: قاله (علي)، و(ابن عمر)، و(ابن عباس)، و(الحسن)، و(مجاهد)، و(ابن جبير)، و(قتادة)، و(طاووس)، و(عطاء)، و(السدي)؛ وبه قال (مالك)؛ وقال (الشافعي)، و(أحمد): يصومهن ما بين أن يحرم بالحج إلى يوم عرفة، وهو قول (ابن عمر)، و(عائشة).. وروي هذا عن مالك، وهو قوله في (الموطأ) ليكون يوم عرفة مفطرًا؛ وعن (أحمد): يجوز أن يصوم الثلاثة قبل أن يحرم، وقال قوم: له أن يؤخرها ابتداء إلى يوم التشريق، لأنه لا يجب عليه الصوم إلا بأن لا يجد الهدي يوم النحر، وقال (عروة): يصومها ما دام بمكة، وقاله أيضًا (مالك)، وجماعة من أهل المدينة، وهذه الأقوال كلها تحتاج إلى دلائل عليها؛ وظاهر قوله: في الحج، أن يكون المحذوف: زمانًا؛ لأنه المقابل في قوله: وسبعة إذا رجعتم إذ معناه في وقت الرجوع، ووقت الحج هو أشهره، فنحر الهدي للمتمتع لم يشرط فيه زمان؛ بل ينبغي أن يتعقب التمتع لوقوعه جوابًا للشرط، فإذا لم يجده؛ فيجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج، أي: في وقته، فمن لحظ مجرد هذا المحذوف أجاز الصيام قبل أن يحرم بالحج، وبعده، وجوز ذلك إلى آخر أيام التشريق؛ لأنها من وقت الحج ومن قدر محذوفاً آخر، أي: في وقت أفعال الحج، لم يجز الصيام إلا بعد الإحرام بالحج، والقول الأول أظهر لقلة الحذف، ومن لم يلحظ أشهر الحج، وجوز أن يكون ما دم بمكة؛ فإذا اعتقد أن المحذوف ظرف مكان، أي: فصيام ثلاثة أيام في أماكن الحج.. والظاهر: وجوب انتقاله إلى الصوم عند عدم الوجدان للهدي، فلو ابتدأ في الصوم، ثم وجد الهدي مضى في الصوم وهو فرضه، وصلوات الله وسلامه وبركاته ورحمته ورضوانه على كل من ذكر آنفاً.
قال أبو عبدالرحمن: كل ما كتبته ها هنا مقدمات؛ فإلى تحليل ضروري في العدد الأسبوعي المقبل، -إن شاء الله تعالى-، والله المستعان.