د. محمد عبدالله العوين
يتابع كثيرون بقلق بالغ من خلال شاشة الرصد التي تبثها منظمة الصحة العالمية وتعتمدها القنوات التلفزيونية في كل أنحاء العالم الأعداد المتزايدة لمصابي كورونا، وتتضمن الشاشة عدد المصابين الذي يقفز بوتيرة مرعبة صاعداً في طريقه نحو المليون وربما يتخطاه قريباً، والشأن كذلك في الأعداد التي تظهرها الشاشة عن عدد من فتك بهم وقد اقترب الرقم لحظة كتابة هذا المقال من أربعين ألف قتيل.
جائحة وبيلة عمَّت ببلائها بلدين ومائتي بلد، أي أن العالم كله ذاق مرارة وألم هذا العدو الخفي، أو ترقب الإصابة به؛ فعاش قلقاً متوتراً متوجساً شراً من التقاطه بأي لقاء عابر ببشر، لأن الإنسان نفسه هو ناقل المرض وهو من ينشره في الأرض.
ضحايا كورونا مصابون اعتلوا به وتوجعوا منه وكتم على أنفاسهم، هذا إن كتبت لهم الحياة واكتفي العدو الغازي للرئتين بالتضييق على أنفاس من استهدفهم؛ لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد دائماً؛ فحين يتمكّن الفيروس من رئتي الضحية ويعيث فيها إفساداً وتمزيقاً يودع الضحية الحياة بعد أن لم يجد نسمة هواء.
ثمة ضحايا أحياء سلموا منه وإن لم يطمئنوا كل الاطمئنان فعاشوا قلقين خشية الإصابة؛ لكنهم ما سلموا أبداً من تداعيات الجائحة وما ترتب عليها من أوضاع مادية مزرية في كل مكان من هذا العالم؛ فكأن علة كورونا إن لم تصب البدن وتنهكه وتمرضه أو تسلب الروح وتودي بها تصيب مصادر الرزق في مقتل وتقطع سبل الكسب وتضيّق على الناس معايشهم، فانقلبت أحوال كثيرين من اليسر إلى العسر، ومن التوسط إلى الفقر، ومن وفرة الضروريات إلى افتقادها.
لقد ضرب الفيروس المصانع والشركات والسياحة والعقار والزراعة والتجارة ؛ فعطَّل الإنتاج وأوقف تبادل البضائع وأبطأ حركة التصدير؛ لأن العاملين والصنَّاع والتجار والمنتسبين إلى مهن السياحة والطيران والفندقة والترويح لجؤوا إلى بيوتهم واعتزلوا الحياة العامة.
كم هم الذين سُرِّحوا من وظائفهم في كل بلد؟ وكم هم أولئك الذين لم يعد في وسعهم مزاولة ما اعتادوا عليه من عمل ينالون أجرته كل يوم؟ كم من قاعد في منزله خوفاً من الإصابة قد انقطع رزقه؟ وحتى الموظفون الذين تستمر رواتبهم ولا تنقطع بعد تعديل برامج عملهم بالتناوب أو عن طريق الإنترنت خسروا مبالغ كانوا يكسبونها بأعمال إضافية.
ومع شبح هذا الركود الذي يكاد أن يرتقي إلى مرحلة الكساد العالمي بتعطّل أعمال كثيرة والحرمان من مصادر رزق عديدة كان كثيرون يستعينون بها على تكاليف الحياة ظلت المطالب المادية على رب كل أسرة كما هي؛ فتموين المنزل لا بد منه، وأقساط البنوك لا بد أن تخصم نهاية كل شهر، وفواتير الكهرباء والماء والاتصالات تحل في وقتها المعتاد ولا بد أن تسدّد.
وأمام هذه الأوضاع المعيشية الصعبة التي أثقلت بأعبائها المادية كواهل كثيرين ليس لنا بد - كمجتمع متكافل - أن نتنادى للبحث عن حلول تفتح أبواب الفرج، وتبدل العسر إلى يسر، والضيق إلى سعة، والقلق على الأسرة والأطفال إلى راحة واطمئنان.