د. عبدالحق عزوزي
تعهد قادة دول مجموعة العشرين في ختام قمة طارئة عقدت عبر الفيديو الأسبوع الماضي برئاسة المملكة العربية السعودية بضخ خمسة تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي لمواجهة آثار تفشي جائحة كورونا «كوفيد-19»، وبتقديم الدعم للدول النامية لمحاربة الوباء.
وأكد زعماء أكبر اقتصادات العالم أنهم سيشكلون جبهة موحدة لمحاربة تداعيات هذه الجائحة العالمية، وأعلنت دول مجموعة العشرين، لأكبر الاقتصادات في العالم، دعمها للإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها البنوك والهيئات المركزية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين في مواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد.
وأعرب القادة، في البيان الختامي للقمة الافتراضية، عن شعورهم «بالحزن العميق للخسارة المأساوية في الأرواح والمعاناة التي يواجهها الناس في جميع أنحاء العالم»، مؤكدين أن معالجة الوباء وآثاره الصحية والاجتماعية والاقتصادية المتشابكة هي أولويتهم المطلقة، حسبما ورد في البيان. وأعرب زعماء وقادة الدول المشاركة في القمة، عن امتنانهم ودعمهم لجميع العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية لمواجهة انتشار وباء فيروس كورونا المستجد.
مقابل هذا الالتزام العالمي، هناك نقاط أود مشاطرتها مع قرائنا الأعزاء:
- هذا الوباء بدأ يذكر الجميع بضعف الإنسان (وخلق الإنسان ضعيفاً) (28/4)؛ وأننا جميعاً مترابطون، فكل ما يصيب إنسانا يصيب الآخرين؛ وأن الحدود الجغرافية التي ندرسها لأطفالنا ولطلبتنا هي كلها صورية؛ فالفيروس ينتقل بسرعة البرق بين الدول والقارات دونما حاجة إلى تأشيرات، بل وحتى إلى جوازات سفر.
- أن الجميع سواسية؛ ولا سبيل للمنطق أن يفرق بين هذا وذاك استناداً إلى الجنس أو اللون أو القوة أو المال أو الجاه أو غيرها من التصنيفات الأخرى والتي عمدت الديانات التوحيدية كلها إلى إلغائها وتأكيد المساواة بين البشر في الحقوق الإنسانية وحصر معيار التفاضل بينهم في التقوى فقط وهو معيار يستطيع الوصول إليه جميع البشر ويساهم في رقيهم وسموهم وتقدمهم ولا يعمل على تفريقهم وتقسيمهم إلى طبقات أو فئات. فيروس كورونا يعامل الجميع بنفس الطريقة ولا يعرف استثناءات عمرية ولا طبقية ولا يعرف أصحاب الوجاهة، ولربما وجب علينا أن نتعامل نحن البشر فيما بيننا بنفس المساواة وانطلاقاً من قيم المحبة والعدل. وإذا لم تصدقوني فاسألوا رؤساء الدول والمشاهير الذي أصيبوا بهذا الداء (ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، رئيس الحكومة البريطانية بوريس دجونسون، أمير موناكو ألبير الثاني، الممثل المشهور توم هانكس).
- في رسالة جميلة وجهها الميلياردير الأمريكي بيل غيتس إلى العالم عن هذا الفيروس، تحدث عنه أنه لا يراه على شكل كارثة، وإنما كمصلح روحي «spiritual « لإصلاح ما أعوج في المسيرة الإنسانية والحضارية للبشر؛ ولعمري فالقرآن الكريم يعج بآيات بينات تشرح حقيقة الكون كما خلقه الله: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (41) سورة الروم {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} (126) سورة التوبة.
- يذكرنا هذا الفيروس بأن الحياة قصيرة للجميع، وهي مزرعة لدار البقاء، وأن الحكيم هو من يقضي أيامه المحسوبة في العمل الجاد، وفعل الخير والتآزر والتعاون المشترك.
- يذكرنا هذا الفيروس بدور العائلة وإعطاء الكثير من الأوقات للأولاد، وكم نحن تهاونا كثيرا في هذا الجانب.
- يذكرنا هذا الفيروس أن بيتنا الكبير يحترق، وأن هذا الفيروس أوقف موجات التلوث والتغيير المناخي، ومنذ سنوات والعلماء يؤكدون من كل القارات بالتحاليل العلمية وبلغة الأرقام أن أية زيادة متوقعة على درجتين مئويتين كحد أقصى لارتفاع درجات الحرارة بالكرة الأرضية عن النسبة الأصلية سيهلك الحرث والنسل، فالفيروس أتى كمنبه لعدم تنصل الدول من المسؤوليات القانونية التي أخذتها على عاتقها ووجب تعميم امتلاك التكنولوجيا والطاقات المتجددة لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكاربون، وهاته مسؤولية الأفراد والجماعات.
- البشر أضحوا ماديين، وأصبحت المادة تطغى على كل شيء في إطار عولمة لا ترحم إلا الأقوياء ولا تتعامل إلا مع الماديين مما تجعل الإنسان يصبح أكثر تنافسية وخداعاً وأنانية في تعاملاته مع الآخرين، بالإضافة إلى افتقاره إلى التعاطف تجاه من حوله.
- أن الصحة تاج على رؤوس العقلاء (إذا سألتم الله فاسألوه العافية) وكم أهملنا هذا الجانب بتناول الكثير من المأكولات غير الطيبة والمياه الملوثة، وكل هذا من عمل البشر.
- النظام العالمي مريض وأناني، والدولة-القومية في أزمة، والمرحلة المقبلة سيتغير فيها كل شيء بدءاًَ من أسس هذا النظام وأولويات الدولة القومية بما في ذلك الاستثمار في الصحة والعلاقات الاجتماعية الجديدة.
- يذكرنا هذا الفيروس بالآية الكريمة: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.. والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اصبروا فلا يهزم عسر يسرين»
وفي الختام كل هذا يوحي ببداية جدية، فإما نحن سنبني حياة تتماشى والسبب الذي من أجله خلقنا أي لعبادة الخالق وإعمار الأرض والتعايش فيما بيننا، وإما سنحكم على أنفسنا بالويلات والمصائب..