حين أردت أن أسبر غور «المغزول، الغزلة» في تاريخ معجمها اللغوية فذهبت مسرعًا إلى الشيخ قوقل فوجدت أن تعريف ومعنى مغزول في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي مَغْزول: (اسم)
مَغْزول: اسم المفعول من غَزَلَ.
غَزَلَ: (فعل).
غزَلَ يَغزِل، غَزْلاً، فهو غازِل، والمفعول مَغْزول وغَزْل.
غزَلَ الصوفَ أو القطنَ ونحوَهما: فتَله خيوطًا بالمِغزل.
غزِلَ بالمرأة: شغِف بمحادثتها والتودُّد إليها، أو وصفها.
أما عند ميشيل فوكو في كتابه تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي فوجدت في الفصل الثاني: (لقد أعاد عصر النهضة إلى الجنون صوته، ولكنه تحكم في مصادر عنفه، وسيأتي العصر الكلاسيكي لكي يسكت صوته بقوة غريبة. في عصر النهضة كان العقل واللاعقل مجتمعة، بمعنى أنه لم يكن هناك رفض صارم لـ «اللاعقل»، كان هناك شعراء مجانين وأدب مجنون إلا أنه في القرن السابع عشر استبعد الجنون نهائيًا من الساحة)،
وهو بالمناسبة - أقصد ميشال فوكو - فيلسوف فرنسي، يعتبر من أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين، تأثر بالبنيويين ودرس وحلل تاريخ الجنون في كتابه «تاريخ الجنون».
هذا ما قصدته أيها القارئ الكريم بأن المغزول أو المجنون حالة (ألا عقل) سباحة في الخيال ليعود ذاك المغزول بشيء مبدع وخلاّق وخارق،
غير أن الشاعر علي الدميني كتب في مقدمة رواية «المغزول» بأنه المجنون، قرأت مقدمته ولم أقتنع سوى بأن مفردة المغزول تعني المجنون، وهنا نقطة اختلافي بسؤال وأتمنى أن أجد إجابة: هل زاهر المعلول مجنون في ظل سياق بأنها تعني مجنون؟
حسنًا المغزول من وجهة نظري هو ذاك الذي سيتكتب خياله في جوٍ مبعّثر غير منظّم وحالة أسميها (ألا عقل) كم وصفها فوكو، وبهذا المنطلق أكاد أجزم أن زاهر المعلول في رواية المغزول لم يكن مجنونًا في مصحّة نفسية وما تعارف عليه المجتمع بشتّى تياراته أهبلاً لا يعي ما يقول!
بالعكس المغزول وبالشعبي «وشتالغَزْلة» هي ما يفعله الإنسان خارجًا عن إرادة مجتمعه دون خدش حياء أحد، وبلغة وحركة تلفت الانتباه وتجعل المشاهد أو القارئ أو السامع في حالة غير طبيعية يشحذ كل جوارحه لما يقوله هذا الغريب، مثلاً الشاعر الشعبي ناصر الفراعنة حين يلقي نصًا له تجد عينيه تتقلّب، البعض فسرها بأنها حالة جنون؟! وأنا أقول هذه حالة من الانتشاء تتملّك الشاعر تخرجه عن (ألا عقل) تطرب الجميع وتجعلهم في دائم مستعد للسماع وفي الآخر التصفيق!
وهكذا الفنان حين يغنّي تجده في انسجام وكأنه على الغيم «وعيناه مغمضتان» رغم أن الذين يستمعون له بالآلاف وهو على خشبة المسرح،
هذه حالة غزلة اجتاحته سافرت به إلى عالم (ألا عقل) فغنّى وأطرب وصفّق الجميع...
والأمثلة تنطبق على عالم التمثيل وفني القصّة والتشكيل..
فاطمئنوا أيها المُغَزّلة المبدعون فأنتم ما عليكم سوى أن تمارسوا غزلتكم بكل فن حرفي ولغوي وروائي وصوتي لأنكم الأقدر والأبهى والأجمل ونحن سنصفّق، وسأختم بآخر كلمة كتبها الروائي الراحل - رحمه الله - عبدالعزيز مشري في رواية المغزول:
«حمله كحشرة بلا قدمين ووضعه في السرير»
المقال القادم بإذن الله
(السُعْلي يكشف حقيقة صميعة بحتري الباحة)
** **
- علي الزهراني (السعلي)