«الجنرال كورونا» أزال أوراق التوت عن عورة النظام الرأسمالي العالمي، الذي اعتمد مبدأ «الربح أولاً» وسخّر الإنسان لخدمة ذلك الربح. «اكتناز الذهب والفضة» والتعامل المافيوي حتى مع من هم على شاكلته، لم ولن يكون قادراً على حماية هذا النظام من الهلاك المحتوم. إذا استمر بمقولة الربح أولاً أو أمريكا أولاً أو لبنان أولاً أو موزمبيق أولاً أو الصحراء أولاً أو .... الخ. فلا يوجد بدٌّ من السقوط أو الاعتراف بأن «الإنسان» والإنسان فقط هو أولاً.
الحقيقة التي آثرت الأنظمة الاستغلالية منذ بداية الحضارة عدم الاعتراف بها، هي: أن الإنسان «المنتِج الفقير» الذي يصنع «الثروة» ويتحمل أعباء التنمية وازدهار البشر، لا بد من الاعتراف بحقه في الوجود على الأقل. أما «مناعة القطيع» التي روّج لها النظام الرأسمالي العالمي، تعني: دع من يموت يموت؛ ومن ينجو سيكون لديه المناعة من الوباء. فهذه ليست وحشية لا إنسانية وحسب، إنما لأن المافيوي لا يوجد برأسه «عقل»؛ إنما يوجد برأسه «ربح». أي دع من «أستعبدهم» الآن يموتون؛ ليبقى من هو أقوى مناعةً لأستعبده؛ ثم يموت هؤلاء أيضاً؛ ويأتي غيرهم لأستعبدهم أو يستعبدهم أولادي من بعدي! وسأستر عورتي أو «وحشيتي» بأوراق التوت؛ من مثل: الديمقراطية وحقوق «الإنسان» والليبرالية الجديدة وغير ذلك؛ ثم أغزو وعي «الفقير»؛ وأشوهه؛ وأحطّ من سمعة كل من يعارضني بوصفه «شيوعياً وشمولياً وأفاقاً وإباحياً ولا آدمياً أو غير ذلك من أوصاف!».
الحقيقة التي أظهرها «كورونا» للمافيويين الجدد هي: أن الإبادة تشمل الجميع؛ وإن شئت أن تعيش لا بد أن تعترف بأن لا وجود لك بدون الآخر! ولكن هذا الاعتراف يحتاج إلى «عقل» في الرأس، وليس «ربح» في الرأس. فهل يملك المافيوي عقلاً؟
لقد أدرك النظام الرأسمالي أن مآله المحتوم هو السقوط! وعندما نقول «أدرك» فهذا معناه أن لديه تفكير! ولكن الإدراك لوحده ليس كافياً لإحقاق الحق! فلا بد أن ينعكس الإدراك على السلوك! أي لابد من اقتران التفكير بـ «المبادئ» أي الأخلاق. وإذا كان الربح والجشع واللصوصية واللاأخلاقية هي البوصلة، فلا وجود للعقل إلا بالإجبار!
لم يكن هذا الإجبار متوفراً في السابق! فطيلة قرنين ونصف تقريباً كان النظام الرأسمالي يصول ويجول، بالرغم من أنه يعاني من أزمة مستمرة بسبب الجشع. واستطاع التلون كالحرباء وخوض الحروب للخروج من مآزقه المتتالية؛ وكذلك حماية نظامه من السقوط! وتحاشى حروب الدمار الشامل كي لا يموت! حتى جاءت شرارة «كورونا» لتفضح هشاشة هذا النظام، بل كشفت أن النظام الرأسمالي نفسه هو «سلاح دمار شامل»! والحل لإنقاذ البشرية من هذا السلاح؛ ليس بناء ما يسمى «الاشتراكية»- كما كان واهماً الاتحاد السوفيتي السابق! إنما استكمال المرحلة الرأسمالية إلى النهاية؛ ولكن بتحكم الإنسان؛ وليس تحكم الجشع بالإنسان!
مؤتمر قمة العشرين الأخير، أظهر لأول مرة أن النظام الرأسمالي بإمكانه أن «يرضخ» لصوت العقل. ويتخذ إجراءات من شأنها إنقاذ البشر اقتصادياً وصحياً واجتماعياً وسياسياً وإعلامياً و ... الخ. ولكنها ليست سوى بداية «العقلانية»! فهي «أول الغيث» وتتطلب إجراءات مشابهة متتالية حتى بلوغ الهدف المنشود! ألا وهو «الإنسان أولاً».
** **
- د . عادل العلي