د. صالح بن سعد اللحيدان
يُشكل في النسق اللغوي مما طرحه العرب في حكمهم وخطبهم وأمثالهم يُشكل كثيراً أمر (المعرب والمبني) مما ورد عنهم فيما يخص الأسماء, ولهذا كان (علم النحو) أصلاً قائماً يتميز من خلاله هذا اللسان, ذلك أن النَحو (علم عقلي) أي من علوم الآلة التي تحتاج إلى استعداد جيد وفطنة عالية لمرامي القول وحقيقة بيان ما يخص الاسم والفعل والحرف ذلك حتى تستقيم حال الدلالة على المعاني ليفهم المقصود من ذلك كله، ولهذا (فالمجتهد المطلق) من العلماء في سياسة الشريعة علماً وعملاً من صفاته العجيبة أنه مُلم كثيراً بعلم اللغة وعلم النحو ودلالات حروف المعاجم وما توحي إليه.
ولهذا (فغالب العلماء) اليوم يحتاجون إلى لجان ولجان ومجالس ومجالس لاستنتاج الحكم خاصة في (النوازل)، إذا كان الأمر على هذا فإن كثيراً من العلماء قد يصعب عليه بيان الحكم بمفرده ما لم يستعن بغيره من باحث ولجنة ومحضر.
(والمعرب والمبني) من الأسماء هو من أولويات ما يجب فهمه في سياسة بيان الحكم الشرعي، وإن لم يكن ذلك من النوازل على كل حال وقد كان ابن رجب والنواوي وابن حجر وحماد بن زيد والبخاري ومسلم والكرماني والعيني, دع عنك أبا زرعة الرازي وابن أبي حاتم الرازي ودع عنك: الترمذي وعبدالرزاق الصنعاني وابن خزيمة والمازري والمستملي, كلهم من ذوي الباع في نسق مطرد في فهم ووعي اللغة والنحو دون عودة إلى نظر كتاب أو بحث أو دراسة, ذلك أن المجتهد المطلق موهوب لا يعوزه شيء من قراءة أو نظر, اللهم إلا من باب الاستئناس, وكانوا لا يرون تكليف غيرهم لهم على وجه دائم مستديم ولم يعهد أن أحداً فهم كلف غيره لينظر إليه أو يبحث أو يحقق, ولهذا ساد التجديد وذهب الإنشاء الخطابي والطرح العجول.
وهنا أذكر حسب تتبعي لمطولات القوم الكبار في أسفارهم الباقية أمر وحقيقة (المعرب والمبني) من الأسماء لئلا يختلط الاسم بالحرف أو العكس، فيكون اللبس في فهم الكلام على وجه غير مراد, فالاسم في وصفه في (لسان المسلمين) أنه نوعان: الأول (المعرب) وهو ما خلا من مشابهة الحرف بحال، فالمعرب إذاً أمر قائم بذاته ولدقة هذا فهو على نوعين:
1/ صحيح الآخر.
2/ معتل الآخر.
والأول كقولك: (بيت جميل) أو (كتاب نظيف)، والثاني المعتل نحو (علا وقلى).
ولحقيقة المعرب وضرورة فهمه عند تحضير الدراسات المهمة والمحاضرات الدقيقة والحكم القضائي والدراسات الجامعية فإنه نوعان ولابد من ذكر هذا, فالأول: الاسم المنصرف مثل: علي, وخالد,وسالم.
لأنه يُعرب بالحركات حسب الإعراب (وهذا متمكن أمكن), والثاني (ليس بمنصرف) فلا يُعرب إلا بحسب وضع خاص به ليتميز عن الأول نحو (عمر, عثمان, مساند). وهذا نص العلماء عليه أنه (متمكن غير أمكن).
فالأول (متمكن أمكن) والثاني (متمكن غير أمكن)، فكن من هذا على بينة, وقد وجدتُ (ابن مالك) - رحمه الله - ساس هذا المنعطف بشيء جيد في ألفيته فهو هناك يقول:
كالشبه الوضعي في اسمي جئنا
والمعنوي في متى وفي هنا
وكنيابة عن الفعل بلا
تأثر وكأفتقار أصلا
فهو هنا يُقارب ويُحاول أن يبين لعامة العلماء بأن هناك شبهاً للاسم بالحرف وحددها لكن في نفسي من هذا شيء لعلي ابينه في (المعجم)
وعند تدبر هذين البيتين يتبين منه أنه جعل شبه الاسم أو مُشابهة الاسم للحرف في أربع حالات, وقد وجدتُ هذا كثيراً في منثور العرب وكلام المسلمين.
فهو يعني هنا حتى تتضح الحال مما أراد بأن يشبه الاسم الحرف ومثل له في (جئت) أو على حرفين مثل (نا) (جئنا).
فهذا هو الوضع (فالتاء) حرف واحد و(نا) هنا حرفان, ولهذا لا يصح ظم (التاء) في (جئنا) فكأنه أراد أن (التاء) هنا اسم بالشبه لأن (التاء) هنا كأنها اسم وهو فاعل ونص عليه (ابن عقيل) وهو وجيه قاله في رحه, وذهب إليه قوم آخرون و(نا) فهذا ضمير وهو (اسم) دون نكير يقال و(نا) اسم لأنها جاءت صيغة المفعول ولأنها جاءت على (حرفين) فهذا هو الشبه شبه الاسم بالحرف وكما نوهت قبلاً فهو وجيه, ولعامة أهل العلم واللغوين والنحاة وصناع الثقافة تدبر البيت الثاني:
(وكنيابة عن الفعل بلا,,, تأثر وكأفتقار أُصلا)
يتبين منه دون ريب وجه المراد في حالات شبه الاسم بالحرف,
وباب هذا طويل لكن يعاد إلى (ابن هشام) في (أوضح المسالك) و(الخصائص) لابن جني وإن لم يكن ذكر ذلك ولكن هناك يفهم المراد وكذا يعاد إلى طرح كبار العلماء الذين نظروا ببسط من القول جيد متين.