د. سلطان سعد القحطاني
كثير هي الأساطير في العالم التي تحدث رواتها عن واقع ممزوج بالخيال والخرافة، تصدق أو لا تصدق، ذلك ما تناقلته النصوص، في الماضي عن ثقافات الشعوب على اختلاف بين موروثاتها، حتى في العالم الذي تمت كثير من الاكتشاف العلمية على أيدي أبنائه، وبلغت الأبحاث العلمية، في الطب والفلك والفيزياء والكيماء مداها على أيدي علمائه ومفكريه. والنص الذي بين أيدينا نص يحتمل ما ذكرناه، وليست هذه المقالة علمية تتحقق من كل شيء ورد في النص من منظور علمي، لكنها مقالة تقرأ ما أورده الباحث الروائي إبراهيم مفتاح، وهو الباحث في التراث الفرساني (نسبة إلى جزيرة فرسان) التي تتبوأ مكانة مرموقة في عرض البحر الأحمر، ولها تاريخ معلوم عند سكان شواطئ ذلك البحر، منذ القدم وإلى اليوم. أم الصبيان، عبارة كنا نسمعها من بعض النساء عندما نتشاقى كأطفال في تصرفاتنا، فتدعو علينا بأم الصبيان، نحن لا نعرف أم الصبيان. وعندما سألت بعض الناس عن أم الصبيان (وهو جمع صبي) كانت الإجابات غير مقنعة ولا متسقة علميًا عن ذلك المرض، لكنهم يكادون يجمعون على جواب واحد، وهو مرض يصيب الأطفال في رؤوسهم، ولا يذهب إلا بالكي، وما أكثره في ذلك الزمن. وكنت أبحث عن مرض آخر كان سببًا في وفاة أخوتي الثلاثة قبلي، حيث يولد الطفل منهم، ثم يبدأ بالصياح المستمر خلال أربع وعشرين ساعة ثم يموت بعدها بإذن الله، قيل لي إن ذلك المرض يسمى (التابعة) وما هي التابعة في عرف العامة؟ قيل لي بالإجماع: إنها مخلوق خرافي لا يرى يعشق الطفل في بطن أمه فيتابعه حتى الولادة فيبدأ في مص دمه من بين حاجبيه حتى يموت، ويستمر ذلك المص أربعًا وعشرين ساعة، فإذا ولد في العصر على سبيل المثال، يموت في عصر اليوم التالي. حصل هذا معي بعد أخوتي الثلاثة، وبقدرة الله بعث لنا رجلاً يعرف هذا السبب، فكويتُ بين حاجبي، وصارت هذه الكية علامة فارقة في حفيظة النفوس بهذا العنوان (أثر كي بين حاجبيه) وعندما بحثت في أساطير البحر الأبيض المتوسط، وجدت شبيهًا لذلك، وتداعت في ذهني هذه الحادثة عندما أهداني الأستاذ إبراهيم مفتاح روايته منذ عامين لم أفرغ لقراءتها إلا متأخرًا نظرًا لمشاغلي بين التعليم والإعلام، وعندما قرأتها تداعت إلى ذهني تلك الجملة، ما بين غرب الجزيرة العربية وشرقها، فهل تلك صدفة، أم نقلاً ثقافيًا كما هو في كثير من المؤلفات؟ ولا أريد أن أوغل في هذا الموضوع كي لا يشغلنا عن إبراهيم مفتاح وأالصبيان في جزيرة فرسان. وللحديث بقية.