أكثر من مليار إنسان على وجه هذه البسيطة، يعيشون بشكل إجباري عزلة مؤقتة في منازلهم، وتختلف هذه المنازل، وكان الله في عون الفقير قبل الغني.. آمين يا رب العالمين.
ما نحن عليه اليوم حجر منزلي مقرون بحظر تجول، للتقليل من انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي سبب أزمة عالمية، ربما لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، وبلا شك ملايين من البشر مهددون بفقدان وظائفهم، وستلقي بحممها بشكل مدمر، إن لم يكن هناك اتحاد عالمي قوي وصادق، لردع هذا الوباء المتفشي، حتى لا ينتشر أكثر.
قد يختار أحدهم العزلة اختياريًا، من خلال رحلة في منطقة هادئة كجزيرة ما أو في الصحراء، ويمكث هناك أيامًا قد يخرج منها بفوائد نظرية وتطبيقية.
أدب العزلة سترتفع أسهمه، من بين كل أنواع الأدب، وعلى يقين بأن ستصدر أعمال أدبية وفنية، على مستوى رفيع وستضع بصمتها على جبين التاريخ، لعقود تالية من روعتها، وسيحضر نتاج عادي جدًا لأن هدفه إثبات حضور!
العزلة تصنع وتهذب، العزلة فرصة ونعمة، لتقدم وتنتج وتغيَّر، وأقلها تتحدث مع ذاتك، التي غبت عنها في معترك الحياة اليومية، ومع الانشغالات أجلّت الحديث معها، حتى حان الوقت أكثر من أي وقت مضى، للاختلاء بذاتك من أجل تقويمها.
قد قيل عن العزلة «هي راحة من غيبة، وفرار من نميمة، ورحمة بالفؤاد من خذلان، ودرء من سقطات اللسان، ورحمات من القيل والقال».
الشاعر الفلسطيني محمود درويش
اسم غني عن التعريف، في أحد حواراته ذكر إدمانه للعزلة، يقول: «ربيتها وعقدت صداقة حميمة معها، فالعزلة هي أحد الاختبارات الكبرى لقدرة المرء على التماسك، وأشعر بأنني إذا فقدت العزلة فقدت نفسي».
مبادرة أدب العزلة
في هذا الصدد أطلقت وزارة الثقافة مبادرة أدب العزلة، وإلى الآن ما زلت متمسكًا بإعجابي في مبادرات وزارة الثقافة، لأنها وفق ما تراه عيني.. جميلة في ظاهرها وثرية في محتواها، كما تعلمون وزارة الثقافة تفرّعت إلى 11 هيئة، وهيئة الأدب والنشر والترجمة هي المعنية بهذه المبادرة، هي فرصة لقضاء وقت ثمين مع الكتابة والمشاركة بقصة قصيرة أو قصة أو رواية أو يوميات أو الشعر، وطريقة التقديم للمشاركة بسيطة، ولا تستغرق وقتًا طويلاً، ولا تحتاج إلى مساعدة، كل شيء واضح للغاية.
الحب في زمن الكوليرا
هنيئًا لمن سيخرج من هذه الأزمة بنصوص ستقرأها الأجيال المقبلة مرارًا، ومن النصوص التي بقيت وتناولها الملايين من البشر، رواية «الحب في زمن الكوليرا».
تروي الرواية علاقة حب من مرحلة المراهقة، حتى بلوغ السبيعينات من العمر!
دارت في الرواية أحداث من بينها الحب رغم زواج حبيبته من رجل آخر، وكذلك عندما دعى فلورنتينو اريثا حبيبته في رحلة بحرية، وهناك اكتشفت بأنها تُحبه، وعلمت بأن الحب لا يعرف عُمرًا أو بشكل آخر ليس له تاريخ صلاحية.
في تلك الرحلة خدع فلورنتينو اريثا كل المسافرين معه، بوجود وباء الكوليرا، وكان الهدف من هذه الخدعة، إلا تنتهي تلك الرحلة، ويأتي وقت فراق حبيبته.
لعلّي اقرأ بعد رحيل هذه الجائحة، عملاً أدبيًا مميزًا، وعلى سبيل المثال، يوميات طبيب في قسم الطوارئ، لا شك بأنها ستكون مؤثرة بشكل كبير، وعلى يقين بأنني سأرى كتابًا من هذا النوع، وكلي أمل بأن الجميع يخرج أفضل ما لديه، ولا يفوتني في النهاية أن أقدم دعوة للجميع للمشاركة في مجلتكم.. المجلة الثقافية.
على الرحب والسعة دومًا، دمتم في كنف المولى سبحانه وتعالى.
** **
- د. فيصل خلف