عبده الأسمري
اختار درب «العلم» فاستنار بضياء «القلم»، وأنار بإمضاء «الخط» «مسارب» الحرف و«مشارب» الحرفة رافعًا راية «التخصص» في ميدان «الفنون»، واضعًا غاية «المهنة» في وجدان «المتون».
إنه شيخ الخطاطين، خطاط كسوة الكعبة المشرفة مختار عالم، أحد أمهر أساتذة الخط على مستوى العالم العربي.
بوجه حجازي أصيل، تعلوه الملامح الدينية والمطامح المهنية، وتملؤه علامات «الضياء» واستعلامات «الذكاء»، وتقاسيم زاهدة جادة وقورة، تميزها لحية سوداء، أكملته «بهاء»، وزادته «زهاءً»، وهندام أنيق.. اعتمر البياض والبشوت في محافل التعبير، واللبس المتواضع أثناء جولات التسطير، مع محيا حافل بالإنصات والثبات، وأنامل ذهبية، سكبت العبارات في قالب «الانفراد»، وسبكت الكلمات في قلب «التفرد»، وخطوط فنية حوَّلت الحروف إلى «لوحات»، والوصوف إلى «واحات»، نطقت بالتشكيل، واستنطقت بالتفصيل.. قضى مختار عالم من عمره عقودًا وهو يحيك الآيات بمداد الموهبة، وينسج السور بسداد الهبة، فكان «المعلم البشري» الذي حوَّل «الكتابة» إلى صروح، ترى بالبصر، وأوصل «المعاني» إلى بوح يستنطق بالنظر.
في مكة المكرمة وُلد في حي «العتيبية» القابع في محيط «الثرى الطاهر»، وتعتقت روحه بأنفاس السكينة في جنبات «الحرم المكي»، وتشربت نفسه نفائس الطمأنينة في أنحاء «الحطيم»، وتلحفت ذاكرته بشائر الروحانية أمام «الحجر الأسود»، ووثبت قدماه صغيرًا في «مسعى» اليقين، يرتقب نداءات المعتمرين بين الصفا والمروة، فانخطف باكرًا إلى موجهات «التروحن» في أحضان «البيت العتيق» مستلهمًا نصائح أبوة غمرت داخله، ومطامح أمومة استعمرت وجدانه؛ فكبر وفي قلبه «أهازيج» الحجاز، ونما وفي روحه «أريج «الإنجاز.
ركض مختار عالم طفلاً مع أقرأنه بين أحياء العزيزية والمسفلة والشوقية يسابق «العلا»، باحثًا عن «إجابات» لأسئلة اعتمرت ذهنه طفلاً، فوجدها «حاضرة» في أصداء «مزامير» آل داود التي كانت تصدح آناء الليل وأطراف النهار في صحن الطواف حاملاً همته، متربعًا عرش «أمنياته» بتاج «الكرامة» في شرف القرآن الكريم.
انجذب إلى مآثر أب كريم، علَّمه «ماهية» التفوق سرًّا وعلانية، وظل «عنوانه» البارز على صدر «المنحة» الأولى في صحيفة «الدنيا» في حياته وبعد رحيله، وتجاذب مع أثر أُم متفانية، دهمها المرض فظل أسيرًا لأوجاعها، مرتهنًا لدعواتها، مواظبًا على برها، وابتهالات شفائها.
درس الصفَّيْن الأول والثاني الابتدائيَّيْن في مدرسة زيد بن حارثة، والتحق بالصف الثالث بحلقات تحفيظ القرآن الكريم بمكة عام 1397، وحفظ القرآن الكريم كاملاً في 9 أشهر فقط، ثم التحق بمدارس تحسين الخط العربي بالحرم المكي في العام نفسه، وتم تعيينه معلمًا بها وهو بالصف الرابع الابتدائي عام 1398هـ. درس المتوسطة والثانوية بمدرسة يزيد الأنصاري لتحفيظ القرآن الكريم بحي العمرة، وعُيّن معلمًا للقرآن عام 1401 هجرية لمدة 13 سنة، ثم تمت ترقيته إلى معلِّم بمعهد دار الأرقم بن أبي الأرقم، ودرس فيه 3 سنوات، ثم تم تعيينه مسؤولاً للشهادات بجمعية تحفيظ مكة لمدة عامَين، والتحق عام 1409 بجامعة أم القرى بمكة المكرمة بقسم التربية الفنية، ونال البكالوريوس، وعمل سنوات طويلة في التدريس في معاهد ومدارس وجهات عدة، وحصل على الماجستير من القسم نفسه (تخصص خط عربي) عام 1423هـ. تم تعيينه عام 1418 ليكون مشرفًا على حلقات تحفيظ مكة حتى اليوم. وفي عام 1423 تم تعيينه خطاطًا بمجمع كسوة الكعبة المشرفة، ولا يزال. تعلم الخط على يد معلميه عبد السلام سعيد والدكتور ثابت الصغير وعبد المنعم حديدي، الذين اكتشفوا موهبته. وظل معلمه الأول وملهمه الأمثل محمد حسن أبو الخير الذي علمه ودربه ووجهه إلى منصات «الإبداع»، ودرس القرآن وحفظه من الشيخ فؤاد مصطفى كمال الحسن، ونال منه إجازتين.
قدم مئات المحاضرات والدورات في مجال الخط العربي وجميع فنونه في مختلف مناطق المملكة، واستفاد منها آلاف المتدربين في قطاعات عدة، وشارك في لجان تحكيم متعددة بمجال تخصصه، وله عضويات عدة في جهات مختلفة، وشارك في مسابقات ومعارض فنية ولقاءات ومتخصصة عدة، محلية ودولية.
حصد عالم العديد من الجوائز والدروع والميداليات والشهادات في مناسبات مختلفة في الداخل والخارج، وأصدر مذكرات ومطبوعات عدة في خطوط الرقعة والثلث والديواني، وله كتابات عدة في مساجد الرياض وجدة ومكة وغيرها.
مختار عالم.. «المدير» الفني والمدبر المهني لفن «الخط العربي»، وسفير الخطاطين وكبيرهم الذي أكسبهم «الفخر» وهو ينال العز، ويحصد الاعتزاز في كتابته لأقدس «النصوص» وأسمى «الكتابات» على «أغلى كساء في الأرض»، و«أثمن رداء في الكون».