عبدالعزيز السماري
أعطى وباء كورونا جرعة عالية من الوعي الصحي للمجتمعات باختلاف دولها، بل كشف الترهل في الأنظمة الصحية، وقد تتغير إستراتيجيات العمل الصحي في البلدان فيما بعد الوباء، فقد كشفت الأزمة أهمية تطوير العناية الصحية، وضرورة البحث العلمي، والتقليل من المكاتب والأثاث المخملي..
الأسئلة حول هذا الوباء لا ولن تتوقف، فهجمته الشرسة على دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية مازالت تنتظر أجوبة أو تفسيرات مقنعة، فقد كان أقل عنفًا في إفريقيا وآسيا ما عدا الصين، وأيضًا شرق أوروبا كان أقل تأثيرًا من غربها..
لقد هاجم الفيروس الدول الأقوى في العالم، وما زالت الأرقام مرشحة للازدياد، بينما تتضاعف الوفيات في إيطاليا وإسبانيا، وفيما وراء الأطلسي، يضرب بقوة في نيويورك، بينما بقية العالم تتحصن بكل ما تلك من وسائل ضد هجمات فيروس كورونا على شعوبها..
ما زالت نظرية المؤامرة تجد لها طريق في بعض العقول، وخصوصًا الدوائر الأمريكية، فقد سُمي الفيروس بالصيني، وطالب بعض رجال الكونغرس بالتحقيق، ورفع محام أمريكي قضية ضد الصين تطالب أعلى فاتورة تعويض في التاريخ، وقدرها عشرون تريليون دولار..
لكن هناك من حاول أن يبحث في أسباب انتشاره العنيف في دول الغرب من خلال الخريطة العالمية، ولماذا ضرب بوحشية أكثر دول العالم تقدمًا، فهناك من حاول تفسير ذلك بنظرية الطقس، وأن درجات البرودة وقليل من الرطوبة تسهم في انتشاره الشرس، لكنها نظرية لا تصمد كثيرًا، فقد حافظت بعض الدول الباردة على سيطرتها على المرض.
في جانب آخر من الصورة، كشفت خريطة العالم أن الدول الأكثر وباء بالملاريا، أقل وباء ووفيات من غيرها، ويظهر ذلك في أواسط إفريقيا وشمال الهند وجنوب شرق آسيا، وهل لتناول أدوية مكافحة الملاريا علاقة بذلك.. قد تفسر بعض من الصورة، لكن من المبكر أن نعتمد هذا الانطباع الجيوغرافي على انتشار الوباء الخطير الحالي..
كان آخر هذه الدراسات عن لقاح الدرن، الذي ما زال معتمدًا في كثير من الدول، لكن المفارقة في الأمر أن أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية أوقفت فرض لقاح الدرن على الجميع منذ عقود، والدراسة تربط ذلك مع وحشية كورونا في الدول الأقل تحصينًا ضد الدرن.
إن صح التفسير الأخير، ستتغير كثير من المفاهيم الطبية، إِذ كيف يمنع لقاح للدرن وباء الكورونا، وهل الموضوع له علاقة بإعادة برمجة جهاز المناعة بلقاح ما.. أيًا كان، ومن يدري قد يكون للقاح الإنفلونزا تأثير إيجابي..
أتمنى أن أكون نجحت في إثارة بعض الأسئلة، فالعلم مصدره الأسئلة الذكية، ثم فحصها ومحاولة الإجابة عليها من خلال التجارب السريرية والعلمية والإحصاءات..
ربما حان الوقت لنخرج من التبعية المطلقة للغرب، ونحتاج أن نكون أكثر قوة من قبل، لا سبيل إلى هذا الهدف إلا من خلال طريق واحد، هو تشجيع التفكير والبحث العلمي، والله على ما أقول شهيد..