فوزية الجار الله
لم يخطر في ذهني يوماً ما أن نحيا مثل هذه الأيام، أو أن يتبع العالم بأسره سياسة «حظر التجول» بحال من الأحوال وأكاد أجزم بشكل قاطع بأن هذا ما يسكن ذهن الجميع، من أبناء وطني، على أقل تقدير!
منذ عرفت نفسي لا أتذكر حدثاً جللاً مثل هذا سوى «حرب الخليج» التي كانت مشابهة في بعض الأوجه، لكنها مختلفة تماماً، فقد كانت الحرب بعيدة إلى حد ما، نرقبها عن كثب، هكذا كانت مشاعرنا في ذلك الوقت، كما لم يطل زمن الحرب الحاسمة لتحرير الكويت التي عايشتها دول الخليج كافة، لكن رغم ذلك لم يحدث حظر للتجول بمعنى الكلمة إلا من أنفسنا نحن حيث كنا نتسمّر أمام شاشة التلفاز حين يظهر إعلان «وقوع الخطر»، كنا غالباً في منازلنا، كنا وما زلنا في ظل حكومتنا التي تتحمل الكثير من الأعباء في سبيل راحتنا..
الحدث الحالي يبدو عجيباً ومقلقاً، بل مؤلماً أحياناً، لكننا ننعم بمشاعر الإيمان التي امتزجت بدمائنا لأسباب اجتماعية ودينية نفخر بها.. هذا الحدث جعلنا نرى بشكل أكثر وضوحاً ما كان غائباً عن أذهاننا بشكل أو آخر، هذا الاختلاف جعلنا نقدر إلى أبعد مدى ما كنا فيه من نعمة، يدرك ذلك كل من يملك نضجاً ووعياً، هذه الأحداث جعلتنا نستعيد بمنتهى اليقين أن السلام والمصافحة بكف اليد نعمة وأن زيارة الأصدقاء والأقرباء والأحبة والابتسام في وجوههم واحتوائهم بلا خوف نعمة عظمى وأن الخروج من المنزل بمنتهى الحرية وفي أي وقت هو نعمة وأن التبضع وارتياد الأسواق المختلفة مهما صغر حجمها هو أيضاً نعمة..
اطلعت مؤخراً على فيديو لأحد الناشطين في مجالات الرحلات سابقاً، قبل «جائحة كورونا» يتحدث الرحالة عن إحدى المدن في القطب الشمالي من الكرة الأرضية ويقول إن الشمس لا تظهر لديهم وأن الطقس بارد جداً كما هو معروف، حيث تكسو الثلوج المنطقة معظم الوقت وأن نسبة الانتحار لديهم مرتفعة جداً وأنه لا يكاد يخلو بيت من حادثة انتحار واحدة على الأقل وأنك لا ترى أطفالاً يلعبون في الخارج كما هو الحال في مدن العالم وأيضاً لا ترى تجمعات وضحكات وإنما ثمة كآبة طاغية تكسو المنازل والطرقات!
وقد استفسر من بعضهم حول «السفر» باعتباره وسيلة لتغيير روتين الحياة فكانت الإجابة بأنهم يجدون صعوبة في التواصل مع المجتمعات الأخرى المختلفة عنهم وأن هناك الكثير من «كارهي الحياة»!
فالحمد لله على نعمة العائلة والمنزل الدافئ والصحة والنوم المنتظم واليقظة، الحمد لله على ضياء الشمس وإطلالة القمر في السماء في كافة مراحله والحمد لله على أجهزة التواصل التي نتواصل من خلالها بكافة أنحاء العالم، والحمدلله على نعمة التفاؤل والأمل..
والحمد لله أولاً وأخيراً على نعمة الأمان ونعمة الوطن.