يعد العالم الجيولوجي الأمريكي كارل سابين تويتشل من أوائل العلماء الأمريكان الذين زاروا المملكة وقاموا بدراسات عن تراثها وتاريخها الحضاري.
ورغم أنه قدم للمملكة بدعوة من الملك المؤسس عبدالعزيز- طيب الله ثراه- للبحث عن الماء والمعادن في الحجاز، إلا أنه خصص جزءا كبيرا من أعماله وأبحاثه لدراسة آثار وتراث المملكة وما تزخر به مناطقها من نقوش ومواقع أثرية.
مكث العالم الأمريكي تويتشل الذي توفي عام 1967م قرابة عشرين عاما في المملكة منذ ربيع عام 1931م، وألّف كتابا بعنوان (المملكة العربية السعودية)، أشار فيه إلى «أن البلاد العربية السعودية تحتوي على بقايا كثيرة من الحضارات السالفة ولا بد أنها ستكون موضع اهتما علماء الآثار الدقيق. وقد استطاع العرب السعوديون منذ القدم أن يقدروا أهمية المحافظة على بقايا الآثار».
يشتمل الكتاب على ثلاثة أبواب رئيسية هي (الملامح المميزة في البلاد العربية السعودية) وعرض فيه: الوضع الجغرافي، الثروة المعدنية، الثروة الزراعية، المصادر الاقتصادية البسيطة، موارد المياه، المراكز الحيوية للحياة القومية، بقايا الفن المعماري وعلم الآثار القديمة. فيما يتناول الباب الثاني بعنوان (التطور الاجتماعي والسياسي): العرب السعوديون-السكان، الحكومة، العادات والطبائع، البيت السعودي، نهضة الدولة السعودية، البلاد العربية السعودية والعالم الحديث، جهاز الدولة الإداري. أما الباب الثالث (مركز البلاد العربية السعودية في اقتصاديات العالم) فيعرض: الاتصالات مع الغرب-علاقات دبلوماتية قنصلية، خطوط المواصلات، الزيت والتعدين، مستقبل التجارة والزراعة، التطورات منذ عام 1946م).
وقد ضمّن تويتشل كتابه خارطتين: الأولى لجغرافية المملكة، والأخرى لمسار خطة سكة الحديد من الدمام للرياض، ومجموعة كبيرة من الصور الفوتغرافية بلغ عددها (71) صورة، تعد وثائق مهمة تحكي أمثلة من تراث المملكة والحياة الاجتماعية والاقتصادية، ومظاهر نمو المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد العزيز- رحمه الله-، والشخصيات القيادية في المملكة.
وخصص تويتشل جزءا في كتابه للحديث عن الملك عبد العزيز جاء فيه: «لا يقيم جلالة الملك وزناً لاعتبارات اللون أو النسب والأصل عندما يجري أحكامه، وهو في العادة إنساني وذو رقة وتسامح في بعض الأحيان حين يستدعي الأمر، وحين يغضب فهو حاد وعنيف وحازم، ويعتبر ابن سعود بإجماع آراء الناس جميعاً أنه حكيم وعادل، إضافة إلى ما يتمتع به كذلك من صفات الإنصاف والكرم وإعزاز الضيف مما يسبغ عليه شهرة فوق شهرته وعظمته وتعلق شعبه به وكل من عرفه من قريب أو بعيد».
ومن بين الموضوعات العديدة التي عرضها تويتشل: السدود القديمة، ومنابع العيون، والآبار، والتراث العمراني، والحرف والصناعات، وملامح من حياة المجتمع وعاداتهم وتقاليدهم المعيشية، ووسائل المواصلات القديمة التي تعتمد على الحمير والجمال، وقناة عين زبيدة وآبارها وصهاريجها، وينابيع وادي فاطمة، وكذلك العيون الطبيعية في الخرج والأفلاج والأحساء. كما خصص تويتشل فصلاً خاصاً عن بقايا الفن المعماري في المدن السعودية والآثار القديمة.
وتحدث عن آثار العلا والخريبة والنقوش والكسر الفخارية، ومدائن صالح ومقابرها، وعناصرها الزخرفية على الواجهات ومنحوتاتها المجسمة، وآثار جبل (حمونة)، وآثار وادي نجران، وآثار مهد الذهب ومنجمها وصخورها ونقوشها الأثرية.
وعن العالم الجيولوجي الأمريكي كارل تويتشل وكتابه عن المملكة يشير عالم الآثار السعودي الدكتور سعد بن عبد العزيز الراشد بأنه من باحث أو دارس تاريخ المملكة في عصرها الحديث إلا وأشار إلى بحوثه ودراساته وتقاريره العلمية التي كتبها عن المملكة.
مؤكدا أن كتابه عن المملكة يعد من المصادر المفيدة للباحثين والمهتمين بالبدايات المبكرة للتنمية في المملكة، وجهود الملك عبد العزيز-رحمه الله-في استقطاب الخبرات الفنية لمختلف المجالات.
ويشير إلى أن هذا الكتاب وإن تقادم به الزمن فسيظل من المصادر التوثيقية المهمة عن تاريخ المرحلة التنموية للمملكة وملامح من تراثها وتاريخها الحضاري الذي حافظ عليه أبناء هذه البلاد وحكامها.
وتمنى د. الراشد أن تقوم دارة الملك عبد العزيز أوشركة أرامكو بإعادة طباعة هذا الكتاب وتحديث ملحق الإضافات بما لا يخل بالمحتوى الأصلي للكتاب، وإقامة معرض للصور الفتوغرافية التي صورها كارل تويتشل خلال عمله في المملكة بالتعاون مع جامعة برنستون.