الرياض - «الجزيرة»:
دعت دراسة علمية إلى ضرورة تفعيل المؤسسات الوقفية للمسؤولية الاجتماعية بالقيام بالاستثمارات الموجهة من خلال المشروعات ذات البعد الاجتماعي، وغير المرتبطة بالمنظور الربحي، ومن خلال إنشاء المؤسسات الوقفية للإقراض الحسن: بإيجاد هيكل تنظيمي في إطار قانوني واجتماعي، يتولى تجميع الأموال النقدية الموقوفة؛ ليتم إقراضها للمحتاجين وفق لوائح تنظيمية معينة.
وأظهرت نتائج الدراسة المعنونة بـ»الاستثمار الوقفي الموجه لتحقيق المسؤولية الاجتماعية: المؤسسة الوقفية للإقراض الحسن أنموذجاً» للباحث الدكتور محمد بن سعد بن عبدالرحمن الحنين الأستاذ المساعد في قسم الفقه بكلية الشريعة بالرياض، أ ظهرت أن المسؤولية الاجتماعية هي: الالتزام الأخلاقي لمؤسسات الأعمال الاقتصادية، وبذلها المساهمة المالية، أو تقديمُها برامجَ ونشاطاتٍ؛ لتحقيق مصلحة اجتماعية غير منظورٍ فيها عائدُ الربح، كما أن الاستثمار الموجه هو: مساهمة مالية على سبيل التبرع من قبل مؤسسات الأعمال؛ لتحقيق منفعة تعود على المجتمع، غير منظور فيها عائد الربح، في حين أن الاستثمار الوقفي الموجه هو: توظيف جزء من الأموال الوقفية؛ لتقديم منفعة تلبي حاجة من حاجات المجتمع، مع تحصيل عائد ربح، أو بدونه، بما يتوافق مع أحكام الوقف الشرعية، والمؤسسة الوقفية للإقراض الحسن هي: عبارة عن هيكل تنظيمي في إطار قانوني واجتماعي، يتولى تجميع الأموال النقدية الموقوفة؛ ليتم إقراضها للمحتاجين، وفق لوائح تنظيمية معينة، والمسؤولية الاجتماعية بمدلولها العام أصيلة المستند في الشريعة، والأصل في مال الشركات ومؤسسات الأعمال أنه من قبيل الملكية الخاصة المشاعة بين الشركاء، فلا يجوز أخذ شيء منه من غير رضاهم، فالمسؤولية الاجتماعية في الأصل هي من قبيل التبرع.
وأوضحت الدراسة جواز استثمار المال الوقفي في مجالات الاستثمار الموجه في حالات مخصوصة وبضوابط شرعية محددة، مع أنه اختلف الفقهاء في حكم وقف النقود، والراجح أنه يصح الوقف لغرض الإقراض الحسن، وجواز إنشاء المؤسسة الوقفية للإقراض الحسن، وهي من قبيل الوقف الجماعي للنقود، مع أنه اختلف الفقهاء في صحة العقد بين غائبين بالكتابة، والراجح هو الجواز، وكذلك جواز إجراء التعاقد الإلكتروني بين المؤسسة الوقفية والمقترضين؛ لأنه من قبيل العقد بين غائبَيْنِ بالكتابة، وأنه لا يملك المقترض القرض الذي تقدم بطلبه من خلال الموقع الإلكتروني حتى يقبضه بالطرق المتبعة لدى المؤسسة الوقفية للإقراض الحسن، وأنه في حالة اشترط الواقفين شروطاً صحيحة، فيلزم مجلس النظارة في المؤسسة الوقفية للإقراض الحسن اعتمادُها وتقنينُها في اللوائح المنظمة، وإذا لم يشترط الواقفون شروطاً حين الوقف، وكانت هناك لوائح تنظيمية مسبقة ومقننة قبل مشاركة الواقف، وتم الوقف بعد علم الواقف بها، كانت هذه المواد المقننة بمنزلة الشروط في لزوم العمل بها.
وكشفت الدراسة على أنه يجوز للمؤسسة الوقفية للإقراض الحسن أن تأخذ أجوراً على خدمات القروض، بما يعادل مصروفاتها الفعلية المباشرة، ولا يجوز لها الزيادة على ذلك؛ لأنه من قبيل الربا، كما أنه لا يجوز للمؤسسة الوقفية للإقراض الحسن قضاءُ دينِ المدين بغير إذنه، ولا يجزئ عن الزكاة، ويجوز للمؤسسة الوقفية للإقراض الحسن استثمارُها لجزء من الأموال الموقوفة بالضوابط الشرعية.
وخلص الباحث الدكتور محمد الحنين إلى أن المسؤولية الاجتماعية أن تتحمل مؤسسات الأعمال مسؤوليتها تجاه المجتمع بالمشاركة في تحصيل حاجته المتغيرة بعدم الاقتصار على هدف عائد الربح إلى شركاء في التنمية المستدامة، وأن من صورها الاستثمار الموجه، ويطلق عليه تارة الاستثمار المجتمعي؛ وإنما سمي بذلك لكونه استثمار يوجه للمساهمة المالية التطوعية من قبل المنظومات الاقتصادية لأجل تحقيق منافع اجتماعية من غير التفات إلى الجانب الربحي من هذا الاستثمار، وأن المسؤولية الاجتماعية تعد نوعاً من التكافل الاجتماعي، الذي جاءت بها الشريعة الإسلامية، وأولتها مزيد عناية واهتمام. وأشار د. الحنين إلى الخصائص التي تميزها؛ حيث تقوم غايتها ومقصدها على جلب المنافع ودفع المضار سواء كانت واجبة أو مندوبة: ونموذجها الواجب يتمثل في الزكاة؛ كضرورة من ضرورات المجتمع الإسلامي وركن من أركان الإسلام، وللمسؤولية الاجتماعية في الشريعة من الوسائل العملية ما يحقق أهدافها مالا يدخل تحت حصر: كصلة الرحم، والكفارات، والأضاحي، وصدقة الفطر، والوصية، والعارية والهبة، وأنظار المدين المعسر، والقرض وحق الجوار، والوقف، وهو يعد من أبرزها وأجلها، وأعظمها نفعاً؛ لأن حقيقة الوقف صدقة جارية ما بقي رأس مالها، فهو كما قيل: عبارة عن عملية استثمار حاضرة، تنظر بعين الإحسان للأجيال القادمة تقوم على التضحية الآنية بفرص استهلاكية مقابل تعظيم الثروة الإنتاجية للمجتمع، مشدداً على أن الوقف أحد صور المسؤولية الاجتماعية، كما أنه في ظاهره يتفق مع الاستثمار الموجه من حيث الغاية والدلالة.
** **
- د. محمد الحنين