إيمان الدبيَّان
بينما كنت أقرأ بعض قصائد الإمام الشافعي -رحمه الله- استوقفتني أبياتًا له جعلتني أذهب بفكري عميقًا، وأجعل قلمي رفيقًا، أكتب مرّة، وأمحو مرّة، أحفظ شطرًا، وأنسى شطرًا، حتى عانق اليراع بناني، واستحكمت هواية الكتابة جناني، فكانت متعة الحياة والحرية التي سكبتها هنا، وكتبتها بعيدًا عن المعاني الفلسفية للحياة وما تتضمنه من أسئلة متعددة تدور حول زمنها، وبدايتها، ونهايتها، وهدفها، وغيرها من الأسئلة الكثيرة، وقريبًا من المعاني الإنسانية البسيطة لهذه الحياة التي تختلف قيمتها، ونظرتها، وأهميتها من شخص إلى آخر حسب الثقافة، والبيئة، والعلم، والفكر يظهر لنا معنى واحدًا مشتركًا للحياة في الماضي والحاضر، وبكل اللغات، والديانات، والفلسفات، والنظريات، والتوجهات، وهو أن الحياة حرية شخصية، واجتماعية لا تعارض فيها مع الدين، ولا القانون، ولا الآخرين هذه الحرية التي قُيدت احترازًا، وحُجِّمت احتياطًا لمواجهة جائحة كورونا التي اُبتلي بها العالم كُلُه، وعَانى منها البشر جُلُه، فكيف نصبح محترزين وكأننا ما زلنا بتفاصيل حياتنا وعادتنا منطلقين؟!
الإجابة على هذا السؤال بشكلها معروفة، وبمضمونها قد تكون لدى البعض مجهولة، وفي كلتا الحالتين الاحترازات الصحية التي تطبق اليوم هي أعلى درجات الحرية الإنسانية؛ لأنها تكفل لنا بعد الله الأمن الصحي، وتبعدنا عن الوباء المعدي، محققة لنا الاطمئنان النفسي، والصفاء الذهني لا يعكره خوف المخالطة، ولا هم الملامسة فكانت حريتنا في التزامنا، وأماننا في مسؤوليتنا، ننام لا خوف علينا، ونأكل بلا جوع يعترينا، التعليم مستمر غير مقطوع، والدواء لم يفتقده أي مريض وموجوع، لنا في تقيدنا عِبَر، وللعالم دروس تخلدها دولتنا بكل فخر.
تقاربنا بعدما عجلة الحياة باعدتنا، استشعرنا نعما تغمرنا في حين غيرنا على أبسطها لفقدها يحسدنا، تركنا المساجد حلاً لعدم التّجَمع، وعمرت البيوت بالعبادات لأنها عقيدة وليست تَطبع، فارقنا محاضن أعمالنا، واستمررنا بإنجازها من وسط دورنا، هجرنا أحبتنا جسدًا، والتصقنا بهم قلبًا وروحًا، نسينا في الماضي بعض مواهبنا، ووجدنا في الحاضر ما قد ذهب منا.
بعض أهل الأدب والفكر ملاك الأقلام، وأصدقاء التأمل والحرف وتحويل الأحلام، كان الانعزال لهم مرفأ لدرر كلماتهم، ونوادر كتاباتهم، وقبلهم المختارين من الأنبياء كان البعد عن الناس سبيلاً لانطلاق دعواتهم، فلنجعل بقاءنا في بيوتنا هِمّة لتحقيق إبداع مؤجل، ونعمة بالصبر على انتظار فرج مُؤمّل، لنجهز من الآن مكافأة لأنفسنا من صنع فكرنا، وفننا، وعملنا، ولنرسم ملامح انعطافات إيجابية في دروبنا، لا نستمع للتافهين وتوافههم، ولنلنفت للراقين ورقيهم، لنكن بتكاتفنا أقوى، وبإيماننا أبقى، وبحفظي للأبيات التي ذكرتها سابقًا كثيرًا من التفاؤل ألقى، فهاكم شيئًا منها قبل أن يكون لها النسيان مِلْقَى
وتضيقُ دُنيانا فنحسَبُ أنّنا
سنموتُ يأسًا أو نَموت نَحيبا
وإذا بلُطفِ اللهِ يَهطُلُ فجأة
يُربي منَ اليَبَسِ الفُتاتِ قلوبا
قل للذي مَلأ التشاؤمُ قلبَه
ومضى يُضيِّقُ حولنا الآفاقا
سرّ السعادةِ حسنُ ظنك بالذي
خلق الحياةَ وقسّم الأرزاقا