شريفة الشملان
في الجامعة تعلَّمنا أن الخبر يجب أن يكون طازجًا، ومصحوبًا بصور قدر الإمكان؛ لأن الصورة تغني عن ألف كلمة. لكن الصورة قد تكون مفبركة، وقد يتورط الصحفي ناقلها. مرت الأيام بنا، وتطوَّر كل شيء في عالم الصحافة، وأصبح كل ما درسناه لم يعد يساوي شيئًا. اختار أغلب الزملاء من دفعتنا ومما تلاها وظائف إما إدارية، أو قنعوا مثلي بكتابة المقالات ومغازلة الصحافة عن بُعد؛ فكاتب المقال غير صحفي الميدان وجامع الأخبار والمعلِّق على أحداثها.
قفزات كبيرة صارت في عالم المعلومة. وإذا كنا تعلمنا أن الصورة بألف كلمة فإن عالم المعلومات تجعلها تتدفق بشكل كبير جدًّا. قد تأتي معلومات تربك المتلقي، خاصة مع إمكانية أن الصور كلها -بما فيها التواريخ والأحداث- لا تساوي قصاصة أظفر حيث يعمل الفوتوشوب عمله. التغطيات التي قد يتضارب بعضها يكون فيها بلبلة تكاد تعصف بعقول المتلقين، خاصة أيام الأزمات.
أن تردد ما يقال فأنت مجرد ببغاء. أن تصف ما قيل عبر الصور فأنت عرفت شيئًا، وغابت عنك أشياء. ولكن عندما ترى بعينك، وتلمس بيدك، فإن الحقيقة هي التي بين يديك. فعندما تحكي عن ذلك، وتكتب بثقة، فأنت تمسك دليلك، ولست ممن يكرر ما يسمع، وستخرج من دور الببغاوية لدور الراصد الحقيقي والعارف بالحقيقة..
سمعت، وقرأت، ولاحظت، ودرت العالم والمعلومات تتدفق. الشارع يسبح في سكون. ما تطلبه يصلك، وكما تريد.
مجبرون على متابعة بعض التافهين الذين قد يرون الأمر مزحة، بل يوثقون تفاهتهم، ولكنه أكبر من مزحة. الفيروس ليس سيارة في الطريق تحيد عنها، وليس رحلة تستطيع أن تلغيها، وليس أيضًا أكلة تتفاداها. عندما يكافح جنود الصحة والأمن في كل مكان لتبقى في البيت بعيدًا عن مَواطن العدوى، وهي بعيدة عنك، فهم يؤمِّنون لك صحتك، يؤمِّنون لك بقاءك حيًّا، وتجتمع على خير معهم.
التافهون يتحدون الحظر. ليست هناك ضرورة للخروج، ولا للاجتماع بالأصدقاء؛ ستراهم وتشبع منهم، وتمل وجوههم لاحقًا، فقط دع هذه الجائحة تمرُّ، ويصفو الجو منها.
الأمر يحتاج إلى كثير من المرونة مع الوضع. لو فكَّرنا أن أيام قد تطول، وقد تقصر، لكنها لن تطول كثيرًا بإذن مولانا وربنا الذي ننتظر فرجه. ولكي يكون الفرج قريبًا علينا جميعًا أن نساعد بالبُعد لنقترب.
ما معنى أن تخرج للشارع، سواء كنت مصابًا أو كنت سليمًا؟! لنتحدث قليلاً عن المصاب، وهو يعطس، أو يمسح، أو يلمس أشياء.. فمن المؤكد أنه لا يعلم أنه مصاب. بحسبة بسيطة يمكن أن يعدي ما بين 30 و40 شخصًا وهو لا يعلم. تذكَّروا البنت الكورية صاحبة الرقم 3 بالإصابة التي خرجت لتمرَّ على مظاهرة، وتحضر حفلاً، فأوصلت 30 شخصًا لغرف العناية والعلاج.
إذًا، يمكن اعتبار كل من يخرج للشارع هو مشرع مجرم، ما دام كل شيء يصل إليه دون حاجة إلى خروجه، بما في ذلك الأدوية.
أمس الاثنين وصلت أدويتنا كاملة؛ ولن نحتاج لمراجعات على الأقل ثلاثة أشهر قادمة.
عندما أقول مشروع مجرم فإنني أعي ذلك؛ لأن مَن سيسبب لهم الإصابة كم سيحتاجون للعلاج؟! فضلاً عن إذا كان هو مَن التقط العدوى، وسيحضرها هدية غير مقبولة لأسرته!
مع المرض الخسارة على الوطن؛ فالعلاج وأجهزته والكوادر العاملة عليه، حتى أجهزة الفحص والتحاليل كم ستكلف الدولة؟.. فضلاً عن أن مساكن العمالة الفقراء غير الصحية هي الأخرى بؤرة للعدوى والمرض.
الدولة تحارب يمينًا وشمالاً لدحر هذا الوباء؛ ومن باب الحرص على الوطن ومقدراته يجب أن يمتنع التافهون عن تحدي منع التجوال رأفة بكل شبابنا وكهولنا الذين يوجَدون - كلٌّ في مكانه - لحمايتنا.
الألم كبير، عندما نرى التافهين ينشرون صورهم، وكيف تحدوا منع التجوال. وهذا ما يعيدني للفقرة الأولى من المقال، حديث الكلمة والصورة والصوت..
إن توثيق المخالفة الصريحة للتعليمات الحكومية جريمة بحق الجميع، والوطن بكل مقدراته.
عفوًا، كنت منذ بداية الأزمة أحاول أن أجعل من مقالاتي خفيفة ومتفائلة. ما زلت في التفاؤل، لكن عندما يكون هناك مَن يُخرجك عن عقلك فهنا لا يكفي التلطف، وتكون المواجهة حتمية.
بكل دعاء عرفته أو تعلمته أرفع كفي وقلبي لله لألقاكم الأسبوع القادم على خير.. وأنتم جميعًا ووطننا بكل خير.