د. حامد بن مالح الشمري
لقد فرضت خطط التنمية والبناء في الثمانينيات والتسعينيات الحاجة إلى استقدام أيد عاملة في مختلف التخصصات والمستويات، ومن مختلف أصقاع الأرض، إلى جانب استيراد وتوظيف التكنولوجيا الحديثة بأنواعها كافة ومجالات استخداماتها حتى نهضت بلادنا -ولله الحمد- وأصبحت في مصاف الدول المتقدمة, وفي ذلك الوقت كان من الطبيعي أن يقوم على تشغيل وصيانة هذه التكنولوجيا وإدارة المشاريع الاقتصادية العملاقة نخبة من الخبراء والعمالة الوافدة، وكلمة حق فإننا ندين لهم بالشكر والتقدير على مساهمتهم بجهودهم وخبراتهم في مسيرة بناء وتقدم هذا الوطن، والحاجة في ذلك الوقت فرضت أن تكون وسيلة التخاطب هي اللغة الإنجليزية نظراً لقلة أعداد الكوادر الوطنية المؤهلة.
ولا شك أننا ندرك ما للغة الإنجليزية من فوائد واستخدامات في مجالات متنوعة، فرضتها حاجة العصر الذي نعيشه مع العالم الذي أصبح قرية صغيرة نتبادل معه المصالح والمنافع المشتركة، ومواكبة مسيرة التطور الذي تعيشه سائر بلدان العالم، اللغة العربية أحد أهم مكونات الهوية الوطنية، خصوصاً في بلد مهبط الوحي مما يتطلب الاعتماد عليها واستخدامها في لغة التخاطب وكتابة العقود في الشركات، وليس كما هو الحال الاعتماد على اللغة الإنجليزية في كثير من المخاطبات والتعاملات في مرافق القطاع الخاص وبعض المؤسسات العامة والبنوك، وكذلك إجادتها تحدثاً وكتابة كشرط أساسي للعمل في وظائف القطاع الخاص فهذا ما يؤثر سلباً على مكانة اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، التي أكرم الله بها المسلمين عامة وسكان هذا البلد الطيب المبارك بصفة خاصة.
لقد شهدت المملكة -ولله الحمد- في السنوات الأخيرة أعداداً كبيرة من الخريجين والخريجات في التخصصات كافة من داخل وخارج المملكة، مع توافر وتطوير شامل للإمكانات والبنية الأساسية في مختلف مرافق الحياة، فقد أصبح من الضروري الاعتماد على اللغة العربية في المخاطبات والمحادثات في تلك المرافق، والعمل على تعريب وترجمة التعليمات والإرشادات الخاصة بتشغيل وصيانة الأجهزة، وجعل اللغة العربية ملزمة في المخاطبات كافة داخل المملكة في الشركات والمؤسسات ونحوها، فمن الخطأ الاستمرار والتوسع في استخدامات اللغة الإنجليزية وجعلها تهيمن على عقول شبابنا وتمثل هاجساً وحجر عثرة أمامهم لمواصلة مسيرتهم العلمية والعملية، فنحن ومن خلال عدم تعريب وترجمة التكنولوجيا وإرشاداتها وتعليماتها والاستمرار في تعميم استخدامات اللغة الإنجليزية والاعتماد عليها، نعمل على حجب أو تضييق استفادة الفرد السعودي من علوم التقنية المتطورة، ولو تتبعنا دول العالم بأكملها، لوجدناها تعتمد على لغات شعوبها في كل صغيرة وكبيرة وحتى لو كانت تلك اللغة من اللغات الميتة! فهل تستحق اللغة العربية من أهلها هذه النظرة الدونية وإضعافها وسلب حقوقها؟! إن التقدم والتطور في شتى مجالات الحياة مرهون بسواعد أبناء الوطن ومرهون أيضاً بتعميق وشمولية استخدامات اللغة العربية، وبتعريب وترجمة التعليمات والإرشادات الخاصة بصيانة الأجهزة ونقل التكنولوجيا واستنباتها في عمليات التصنيع والإنتاج وغير ذلك، إن كثيراً من أبنائنا خريجي الجامعات والمعاهد يصطدم بعقبة شرط إجادة اللغة الانجليزية، فهل يعقل أن الشركة أو المصنع أو المستشفى وهو سعودي، وتقوم هذه المرافق على تقديم خدماتها للمجتمع السعودي، ومع هذا يطلب من ابن الوطن إجادة اللغة الإنجليزية؟! وبمهارات تفوق قدراته حتى لو كان تلقى تعليمه باللغة الإنجليزية؟! فهل من المعقول اغتراب وعزلة ابن الوطن عن بيئة وثقافة وطنه الأصلية؟! وهل المعيار الأوحد على كفاءة الشخص هو إلمامه باللغة الإنجليزية، بحجة أن وسيلة التخاطب والمكاتبات والتعليمات في هذه المرافق باللغة الإنجليزية؟! على الرغم من حصول هذا الشاب على شهادة جامعية وفي التخصصات التي تحتاج إليها تلك الشركات والمؤسسات؟!.
لقد حرصت كل الدول المتقدمة على نقل واستنبات التكنولوجيا لشعوبها وترجمتها إلى لغات شعوبها الأصلية، وفرضت ذلك على مناهج مراحل التعليم كافة وفي باقي وسائل التخاطب والمكاتبات للأنشطة التصنيعية والتجارية والاقتصادية إيماناً منها بدور ذلك في نشر المعرفة والعلوم والخبرات ورفع درجة الوعي العلمي بين أفراد شعوبها, ونأمل -إن شاء الله- في القريب العاجل أن يتم تعريب التخصصات العلمية والتقنية في بلادنا، كذلك تكثيف حركة الترجمة في التخصصات العلمية والتقنية كافة، فلدينا -ولله الحمد- الكفاءات الوطنية المؤهلة للقيام بمهام التعريب والترجمة، والجميع يدرك ما يواجه الطلاب والفنيين في الكليات الطبية وغيرها التي تدرس مناهجها باللغة الإنجليزية من مصاعب جمة أثرت سلباً على استيعابهم وفهمهم لتلك المناهج.
لغتنا العربية بحاجة إلى تقويتها وصيانتها وتطويرها ونشرها وربطها في تعاملاتنا كافة، حتى ترتفع درجة الاستيعاب العلمي والتفاعل والإبداع العملي، وبالتالي نعمل على تسريع عمليات الاستنبات والتوطين وبشكل علمي ومدروس يتفق مع طموحات وتطلعات قيادة هذا الوطن المعطاء.