كان من الطبيعي اختفاء الكثير من المصطلحات وولادة أخرى، إذ اللغة كائن حي، لذلك كان من البديهي اندثار العديد من المصطلحات الرنانة ذات حين، وتلاشى رونق أخرى، فلا يكاد فئة ممن كتبوا فيها يوماً ما يتذكر هذا المصطلح، لأن ظاهرة «الإحلال»، كفيلة بذلك، إذ حل الانبهار الحضاري وريثاً للصدمة، ليخلفه قبل سنوات الصدمة الإلكترونية.. وهكذا تسك المراحل والحضارات أدبياتها.
وفي كل الثقافات دائماً ما تكون التنشئة والغرس والتربية بكل مكوناتها، من أهم روافد الوجود الثقافي لأي مجتمع، إلا أن انتقال المجتمعات من الجماهيرية، إلى الصناعية، إلى المجتمعات ما بعد الصناعية، جعل من ظاهرة «التمرحل»، أهم محطات الحلال في حياة الشعوب، التي سعت الأدبيات الفلسفية والاجتماعية والفكرية التي جاءت تحديداً في سياق (فهم الفهم)، إلى توصيف مآلاتها ضمن ديناميكية تناقل الإرث الثقافي والحضاري ما بين جيل وآخر، وما يصحبه ظواهر، أبرزها: الفقد، الاستلاب، القطيعة الثقافية.
وباختصار: مع انتقاض الكثير من المنطلقات الفكرية، التي ارتبطت بما أنجزته «الآلة»، تحديداً في حياة الشعوب، لم نعد - مثلاً - نتذكر مطبعة يوحنا غونتبرغ بوصفها ثورة في مسارات المعرفة، منذ أن حلت الرافعة بديلاً لذراع الإنسان، وصولاً إلى ما أصبحت تشكله الرقمنة من (امتداد) لحواس البشرية، ما يجعل من هذه الروافد في ثقافة الشعوب مسلمات في الفهم وفي مجالات مناشط حياتها اليومية، وما تنتقل معه الثقافات عبر تداخلها، إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه من درجات الهيمنة، وصولاً إلى التبعية الثقافية.
إلا أن (أم الصدمات) هي «الصدمة الثقافية»، لتشكيلها «خطاباً مضاداً»، داخل الثقافة، لتنتقض ثقافة جيل بأكمله على ثقافته، ما يضع ثقافة ذلك الجيل أمام فجوة ثقافية ممتدة آثارها بامتداد وجوده، ما يعيد بتلقائية حضارية ترتيب الثنائيات الطرفية تحديداً، إلى بنية خارطة إدراكية جديدة، ربما يكون أولى خطوات التعثر فيها انتقاض الفهم على الفهم!
* 2030 رؤية تراهن على إرثنا الثقافي، ودورنا الحضاري، ومستقبلنا الريادي.. قامتها الإنسان.. وقيمتها المكان!
** **
- محمد المرزوقي