إني استطلْتُ لبُعدكَ الأياما
حتى حسبتُ اليوم منها عاما
ومن العجائب هاجرٌ متبرّمٌ
يشكو إلى مهجوره الآلاما!
يشكو إلى الفيء الهجيرَ، ويرتجي
أن يستظلَّ وأن يَبُلَّ أُواما
وقف المَشوقُ أمام مسجد حَيِّهِ
يشكو له: أنا ما هجرتك ذاما
فلربما هجر المحبُّ حبيبَهُ
خوفًا عليه من الأذى وسلاما
ويظل يسأله: إلامَ ..؟ ولم يجد
منه جوابًا غير رَجْعِ (إلاما)
شكوى الشجيّ أليمةٌ، ولَصمتُهُ
عجزًا أشدُّ من الشجا إيلاما!
أقسى الفراق فراق دانٍ شَيّقٍ
أضحت زيارة من يُحبّ حراما
دانٍ مَشوقٌ بَيْدَ أن موانعًا
تَثنيه لو رام المزارَ لِماما!
في كل يومٍ يستثير حنينَهُ
صوتُ الحبيب وما يطيق قياما
أنّى يقوم مُلبّيًا من أثقلت
أضلاعَه زمرُ الهموم زحاما؟!
أعظمْ بأعظمه! غدتْ من فرط ما
لقيَتْه من كرّ الخطوب عِظاما!
لو لم تكن منه العظام عظيمةً
أودتْ به نار الحنين حطاما
يا رُبَّ مكروهٍ تَجلّى بلسمًا
ولَرُبَّ محبوبٍ تَجلّى ساما
ما للأذان إذا دعانا حَشْرَجَتْ
منه المآذنُ هذه الأياما؟!
في كل حرفٍ من حروف ندائهِ
آهٌ تسيل به الدموع سِجاما
إن قيل: (صلّوا في رحالكمُ) انثنى
رَجْعُ النداء على النفوس سهاما
تَدمى المسامعُ والقلوب بوَقْعِهِ
لا غروَ؛ كم ترك الكلامُ كِلاما
بيني وبين ندائه عهدٌ إذا
نادى أجبتُ، وما خفرتُ ذِماما
عهدٌ قديمٌ لم يزل متجدّدًا
في كل يومٍ منذ كنتُ غلاما
واليومَ تُرغمني الصروف؛ إذا دعا
جافيتُهُ! ما أوجعَ الإرغاما!
وأشدُّ ما يلقى المَشوقُ إذا دعا
حِبٌّ ولم يُطِق المَشوقُ كلاما
حتى تراه يودّ مما مسّهُ
لو أن يبوحَ بوجده تَمتاما
ارفع نداءك للصلاة مُجلجلًا
واملأ به الأغوارَ والآكاما
وأطِلْ أذانك ما استطعتَ، وإن رمى
بسهامه الأرواحَ والأجساما
إن المتيّم يستلِذُّ حديثَ من
يهوى وإن أذكى الحديثُ ضراما!
أذّنْ يُجِبْك المستهامُ مردّدًا
ويُجِبْك شوقًا منه كلُّ سُلامى
ودّت جوارحه إذا أذّنتَ لو
صارت لفرط حنينها أقداما
** **
- فهد بن علي العبودي