يعلم الجميع أن الصدمة الكهربائية تستخدم في الطب لاستعادة نشاط القلب المتوقف أو يكاد عن النبض. وهذا النشاط هو «مقدرة» موجودة بالأساس في العضلة القلبية، ووظيفة الصدمة هو فقط «إنعاشها» من جديد. وذلك ينسحب أيضاً على استخدام الصدمة الكهربائية في الطب النفسي، حيث تعمل على استعادة التناغم الطبيعي بين أجزاء المخ، وكأنها إعادة برمجة إذا صح التعبير. ما فعله «وباء كرونا» بـ«الإنسانية» هو نفس ما تفعله الصدمة الكهربائية بالقلب أو المخ!.. كيف ذلك؟
لتوضيح الأمر لابد من وضع مفهوم «الإنسانية» في نصابه. فما يميز الإنسان عن سائر الكائنات -حسب التعريفات المختلفة- هو الوعي! وقد أثبت العلم أن الوعي مكتسب؛ فهو لا يولد مع الإنسان؛ ولا يستطيع الفرد اكتسابه إلا من العلاقات العائلية-الاجتماعية. أي أن الإنسانية نتاج اجتماعي وليست فردياً! وتعتمد على «التناغم» بين «نشاط» أفراد المجتمع أو البشر عموماً! وقد كان الظلم والاستغلال والاستعباد الذي عاشته البشرية لآلاف السنين قد أضعف هذا التناغم، وبالتالي أضعف «إنسانية» البشر، وعزز مبدأ الفردانية! وقد أتى «فيروس كرونا» لينعش «الإنسانية» التي كادت أن تموت.
لا أريد هنا أن أمنح «وباءً خبيثاً» صفة إيجابية! وقد سبقت «كرونا» مصائب أشد خطورة على الإنسانية من «الفيروس»، كالتلوث البيئي وما تبعه من تأثّر الغلاف الجوي وذوبان الجليد والكوارث «التسونامية». ولكن كل ذلك لم ينعش «الإنسانية» كما فعل «كرونا»! وذلك لأن خطره مباشراً على حياة البشر جميعاً، الأمي منهم أو المتعلم؛ العامل أو العاطل؛ المتسلط أو المستعبَد.. الخ. وفجأة شعر البشر أن لا غنى عن «العيش المشترك» و«العمل الجمعي» ونبذ «الفردانية والتفرّد»!
على الرغم من الإجراءات «الجماعية» المحمودة المتخذة ليس لإيقاف «الجائحة» وحسب، بل لإعادة «برمجة» العلاقات الدولية على أساس نظام دولي جديد، يضمن الأمن الصحي والاقتصادي والحقوقي والبيئي وغيرها لجميع الشعوب، إلا أن المتسلطين حتى هذه اللحظة، غير مستعدين للتخلّي عن جزء يسير من امتيازاتهم! بل يحاولون «استغلال» الوباء لمنافع شخصية وجماعية مافيوية! ولا يبدو أن هناك سبيلاً لإقناعهم!.. ما العمل إذن؟ هل سيقودنا هؤلاء لإنهاء الحياة على الكوكب؟
ما يبعث التفاؤل أن «الإنسانية» قد انتعشت عند شعوب الأرض كافة. وقد أثبت التاريخ أنه لا يوجد من هو قادر على إيقاف زخم وعنفوان تلك الإنسانية إذا انتعشت! ولا بد لليل أن ينجلي!
** **
- د. عادل العلي