محمد آل الشيخ
كثيرٌ من القوميين العرب ومعهم بعض المتأسلمين الرغبويين، يجدون في الحضارة الغربية عدواً لهم، ويبحثون عن أي أمل لهزيمتها والانتقام منها، والسبب أن أغلبهم كانوا متحالفين -على الأقل فكرياً- مع الاشتراكية العالمية، ويكنّون عداءً عميقاً للرأسمالية الغربية عموماً، وللولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، لذلك وجدوا في فيروس كورونا الذي غزا الغرب، وأحدث بعض التأثيرات السلبية في المنظومة الغربية الإنتاجية، أنه ينتصر لهم، ويثأر من هزائمهم المتكرِّرة.
فالغرب يملك (العقل) القادر على مواجهة التحديات والتعامل معها، ومن كان سلاحه العقل والعلم فلا يمكن أن يُهزم أبداً، إلا إذا كنت تؤمن بالورائيات المستعصية على العلوم العقلية. الحضارة الغربية لم تتمأسس على الخرافات ولا الأساطير، وإنما على العقل وعلى التجربة والبرهان، وتراكم إنجازاتها جيلاً بعد جيل، لتكون هذه التراكمات بمثابة القوة الطاغية، التي تتحطَّم على أسوارها كل جائحة، مهما كانت قوية وذات تأثير عميق.
كورونا ستنتهي حتماً، وسينقلها العقل والعلم الغربي المتفوِّق، من الجغرافيا إلى التاريخ، ربما يتأخر الأمر قليلاً، لكن مصيرها المحتوم هو الانقراض. ولأولئك الفارغين، الجالسين القرفصاء على قارعة الطريق، لا يبرحون أماكنهم قيد أنملة أقول لهم: العلم لا يواجه إلا بالعلم، نعم، قد تتفوَّق على الغرب، لكن لا سبيل أن تهزم من يتسلحون بالعقل والعلم، ويتكئون عليه فيما يقبلون وما يرفضون، فلا تفرحوا بهذه الجائحة لأنها لن تقيلكم من عثراتكم الحضارية المتكرِّرة.
والسؤال الذي يطرحه السياق: هل سيستوعب أولئك المتخلفون الدرس، ويدركون أن الطبيعة لا تستكين إلا لمن يتعامل معها بقوانين العقل لا بقوانين الأمنيات والرغبات التي ما قتلت ذبابة قط.
لقد مرَّ العرب بكثير من التجارب والانتكاسات التي كان يجب أن توقظهم من سباتهم، لكنها مرَّت عليهم مرور الكرام، وبقوا على ما هم عليه، يحتقرون العقل ويقدسون النقل، وينتظرون المُخلِّص الذي يقولون إنه سيأتي ذات صباح لينقلهم من القاع إلى السطح، ومن الخلف إلى الأمام، لكنه حتى الآن لم يأت، ولا أظنه سيأتي مطلقاً، ما لم يسلكوا السبل التي سلكها من كان قبلهم، فأصبحوا أسياد العالم بلا منازع.
الحضارات لا يُقيِّمها الرغبويون، ذوو الرقاب المعوجة إلى الماضي التليد، بل يصنعها (العقلاء) الذين يفكرون ويعملون على قراءة تاريخ الأمم، ويستفيدون ويتعلّمون من إنجازاته. وصدقوني ثم صدقوني أن الحضارة الغربية أقوى من أن تنتصر عليها حضارة الصين التي تراهنون عليها، فالصين اليوم هي بالمختصر المفيد (عالة) على المنهج الغربي، واقتصاد السوق، يسيرون بعد هزيمة الاشتراكية خلف الغربيين، ويتبعون مناهجهم نحو القذة بالقذة، ولو أنهم حادوا عن مناهج الغرب قليلاً لأصبحت نهايتهم حتماً مثل نهاية الاتحاد السوفييتي، حضارة سادت برهة من الزمن ثم بادت تماماً.
إلى اللقاء.