الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
بعد أن أمضى تسعة وثلاثين عاماً في القضاء بكل اختصاصاته الشرعية، ترجَّل فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن صالح بن عبدالله الخضيري رئيس محكمة الاستئناف بالمجلس الأعلى للقضاء من ساحة القضاء بعد تقاعده المبكر بناء على طلبه.
والدكتور إبراهيم الخضيري ممن درس على أيدي كبار علماء المملكة كالشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالله بن حميد وغيرهما، وهو عضو في مجلس نظارة لأوقاف عدة، وله عدد من المؤلفات، ومحاضرات ودروس عديدة، ومشاركات في البرامج الإفتائية؛ مع استمراره في دروسه السنوية في دورة الملك سعود العلمية بجدة.
«الجزيرة «التقت بالدكتور إبراهيم الخضيري بعد ترجله من العمل في السلك القضائي، وكان هذا اللقاء السريع، الذي كشف فيه عن بعض الجوانب المهمة في ساحة القضاء، وبعض المواقف التي مرت عليه، وفيما يلي نص اللقاء.
* تنقلتم طوال خدمتكم في سلك القضاء في عدد من الساحات، فأين وجدت نفسك؟
- نعم تنقلت في جميع اختصاصات القضاء العام الكبرى بجدة، ثم المستعجلة بالرياض، ثم الكبرى بالرياض، ثم التمييز بالرياض، ثم التفتيش القضائي بالمجلس الأعلى للقضاء، ولم أجد نفسي إلا بالتدريس بالمسجد والدار، والله أسأل أن يسامح كل من قال (لا إله إلا الله)، وقد تعرض لي بشيء، وأرجو من كل من تعاملت معهم على وجه الأرض أن يسامحوني ويبيحوني في كل شيء بدر مني لم يرضهم، والله عفو يحب العفو، وهو الغفور ذو الرحمة التي وسعت كل شيء، فأسأله أن يرحمني ويصلح حالي.
* من هم عمالقة القضاء الذين عاصرتهم؟
- كثيرون وأبرزهم المشايخ: صالح اللحيدان، ومحمد بن الأمير، وناصر الحبيب، وصالح بن غصون، وشيخ الجميع عبدالعزيز بن باز، وناصر الحبيب، وسليمان الربيش، وغيهب الغيب، وسليمان آل مهنا، ومحمد المحمود، فهؤلاء عمالقة وأساطين ومدرسة في القضاء، ولن يعرف هذا إلا من اطلع على نتاجهم القضائي، وأتمنى لو رُصد بطريقة علمية لينتفع به قضاتنا - وفقهم الله.
* كيف كان تعامل الملك سلمان مع قضاة الرياض إبان توليه إمارتها؟
- كان -حفظه الله- تعاملاً رائعاً مبنياً على الحب والاحترام والتقدير ودقة الملاحظة وقوة الخبرة الطويلة.
* يتناقل الإعلام أغلاط بعض القضاة، فما هي نظرتكم لهذا؟
- أرى أن قوة القضاء من قوة الدولة وهو مبني على الشريعة الغراء، فلا ينبغي أن يكون كلأ مباحاً يخوض فيه من لا يحسنه، وهو من أسرار الدولة التي يجب احترامها، ولا يعني هذا عصمة القضاة، ولكن المجلس الأعلى للقضاء مبدع ودقيق وشديد في محاسبة القضاة مع رعاية مصلحة الدولة ورعاية هيبتها وسد كل ذريعة لأعدائها - أعزها الله بدينه.
* من خلال عملكم في السلك القضائي لابد وأن مرت عليكم الكثير من المواقف؛ فما أعجبها، وأطرفها؟
- أعجب المواقف ابن بار يدفع أباه بالعربة ليطالبه بماله وهو ظالم له، ويغضب عندما نهرت أباه، وأطرفها امرأة توقف بيتها الوحيد على ابن بنتها لأن أمه عاقة لها، ورجل يطلب ولدين من زوجته الزانية بغيبته ليكونا ولدين له، والقضايا كثيرة، ومنها: سرقة محترفين من المقيمين المتعلمين بطريقة مأخوذة من السينما والأفلام.
* ما القضية التي شغلت الكثير من وقتكم وتفكيركم ولم تنته حتى مغادرتكم ساحة القضاء؟
- غادرت ساحة القضاء وعدد المعلقات قليل جداً يمكن سبع بسبب تعاون رئيس المحكمة الغالي علينا جميعًا بسبب رقي تعامله وإبداعه، وجميعها عقارية وحقوقية.
* عبر مسيرتكم في القضاء ما أكثر القضايا في المجتمع، وما أسباب تزايدها، وكيف ترون الحلول لعلاج تلك المشكلات؟
- أكثر القضايا المالية واللاأخلاقية، وسبب علاجها الرجوع إلى الله ورسوله والتمسك بالدين القيم والتعاون على البر والتقوى، والبعد عن التقليد للغرب في التفاهات المفسدة.
* بماذا تفسرون خروج بعض العاملين في القضاء إلى العمل الخاص في الاستشارات الشرعية والمحاماة في وقت مبكر؟
- خروج العاملين يرجع لأسباب منها: خطورة القضاء، وتعمد تشويهه، وعدم المحفزات؛ فمنذ ربع قرن ورواتب القضاة جامدة مع ارتفاع الأسعار، وكثرة العمل.
* يرى البعض أن اختيار المرشحين للعمل في القضاء في السنوات الأخيرة يغلب عليه المجاملة والمحسوبية بخلاف عما كان عليه سابقاً، كيف ترون ذلك؟
- نعم اختيار القضاة اختيار المرشحين للقضاء العام مبني على قواعد وأصول جيدة، ومعالي رئيس مجلس القضاء الأعلى الأستاذ الدكتور وليد الصمعاني يركز كثيراً على هذا الأمر باعتباره الامتداد المؤصل لقوة القضاء، والعاملون بالمجلس يبذلون جهوداً مشكورة في هذا المجال.
* هل تعتقدون أن التقنية الحديثة أسهمت في تسريع العمل في المحاكم، وهل كانت أحد أسباب التأخير في البت بالقضايا؟
- التقنية لها سلبيات وإيجابيات ولا تزال في مرحلة الطفولة المبكرة على الرغم من تسارعها، وهي بكل حال نافعة مفيدة وتحتاج إلى وقت لتؤتي ثمارها - بإذن الله جل جلاله.
* ما القضية التي لا زالت عالقة في ذهنكم، وأثرت في نفسيتكم، ولم تغب عن مخيلتكم؟
- قضية الطفلة التي أخذها مجنون وأخفاها حتى ماتت جوعاً ورعباً وهلعاً، ولم يُعثر عليها إلا بعد أيام، وكانت صغيرة لا تحسن التصرف، نتمى أن يوفق العاملون في القضاء إلى كل خير وصلاح وفلاح وربي يسعد الجميع.