د. أحمد الفراج
تحدَّثت في المقالات الماضية عن نواب رؤساء، لم يكونوا يحلمون بالوصول إلى الرئاسة، ثم خدمتهم الظروف فأصبحوا رؤساء، وتميزوا كزعماء، بل إنهم دخلوا التاريخ، مثل ثيودور روزفلت وهاري ترومان، اللذين أصبحا ضمن أفضل عشرة رؤساء عبر التاريخ الأمريكي، وأيضًا ليندون جانسون، الذي لم يتم تصنيفه ضمن الأفضل، لكنه دخل التاريخ، عندما وقع قانون الحقوق المدنية، واليوم سنتحدث عن نائب رئيس، يختلف عن هؤلاء، فقد جاءته الفرصة على طبق من ذهب ليصبح رئيسًا، ولكن الظروف وقدراته المتواضعة لم تسمحا له بأن يصبح رئيسًا مرموقًا.
ضيفنا اليوم تنطبق عليه مقولة: «مصائب قوم عند قوم فوائد»؛ فهو لم يترشح للرئاسة، ولم يفكر فيها، وإنما استفاد من فضيحة ووترقيت التي أطاحت بواحد من أفضل رؤساء أمريكا، أي الثعلب الماكر ريتشارد نيكسون؛ فعندما استقال سبايرو اقينو نائب الرئيس نيكسون تحت وطأة الفضيحة، اختار نيكسون عضو الكونجرس الجمهوري جيرالد فورد نائبًا له، حسب التعديل الخامس والعشرين على الدستور الأمريكي، أي أنه أصبح نائبًا للرئيس دون أن يتم انتخابه، ففي الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ينتخب الشعب الرئيس ونائبه، ثم لما تفاقمت الأزمة، وغاص نيكسون في وحلها واستقال، أصبح جيرالد فورد رئيسًا بشكل أوتوماتيكي حسب الدستور، فأكمل بقية فترة نيكسون الثانية، ثم ترشح لفترة رئاسية ثانية في انتخابات الرئاسة لعام 1976، ونافسه رونالد ريجان (الرئيس لاحقًا) على ترشيح الحزب الجمهوري، ففاز فورد بترشيح الحزب، ولكنه خسر معركة الرئاسة أمام الديمقراطي جيمي كارتر.
من سوء حظ فورد، الذي وُلد في ولاية نبراسكا، وترعرع في ولاية ميتشجن، أنه أصبح رئيسًا في فترة حرجة بعد فضيحة ووترقيت، وهي الفضيحة الصارخة، التي ألقت بظلالها بشكل كبير على سمعة الحراك الديمقراطي الأمريكي العريق، ولم لا، وهي قضية تتعلق بالتجسس والفساد السياسي الكبير، وبالتالي كانت فترة رئاسته فترة مؤقتة ومضطربة، ريثما يستوعب المجتمع الصدمة، ويستعيد ثقته بالقيم العليا التي يفخر بها المواطن الأمريكي، أي قيم الحرية والعدالة، ولهذا لم يحقق فورد شيئًا يذكر، وخسر معركة الرئاسة لاحقًا أمام مرشح ديمقراطي ضعيف، أي جيمي كارتر، الذي لم يكن ليفوز بالرئاسة لولا فضيحة ووترقيت، التي كان بطلها رئيس جمهوري. وعلى الرغم من كل ذلك صنّف المؤرخون الرئيس فورد ضمن رؤساء الوسط، نظرًا للظروف الاستثنائية التي مرت بها أمريكا، إِذ استطاع أن يعبر بها إلى بر الأمان، ويجعلها تتجاوز آثار تلك الفضيحة المدوية!