هدى الشريف
إن تفشي وباء كورونا أو COVID- 19، الناجم عن الفيروس التاجي (SARS-CoV-2)، والذي انتشر سريعاً خلال المجتمع العالمي مما أحدث هلعاً عالمياً وتأثيرًا مدمرًا ملحقًا خسائر بشرية في وقت وجيز، هو أزمة صحية وإنسانية عميقة أثرت بشدة على الأنظمة الصحية والاقتصاد العالمي وفرضت تحديات صعبة وغير مسبوقة لقادة الدول.
هذا التحدي وضع الجميع في سباق مع الزمن فهو يحصد العشرات في اليوم الواحد. فقد بلغت الإصابات حسب منصة جون هوبكنز CSSE) 1.280.046) شخص حول العالم، أما الوفيات فقد بلغت 69.789 شخص حتى الآن.
مع بداية أزمة كورونا في الصين اعتبرت منظمة الصحة العالمية (WHO) أن تفشي المرض لم يكن كبيرًا بما يكفي لإعلان حالة طوارئ صحية عالمي إلا أنها ما لبثت أن تراجعت سريعاً وأعلنت حالة الطوارئ العالمية لمرض كورونا المستجد، ورفعت درجة الوباء إلى مستوى جائحة.
إن سرعة انتشار الفيروس وما خلفه من خسائر بشرية على مستوى العالم زاد حجم المشكلات وتأثيرها بشكل غير متوقع. لقد واجه القادة حول العالم زخمًا هائلاً من هذا الاضطراب وكأنهم في مرحلة حرب غوغائية غير مسبوقة كشف فيها هذا الفيروس المتناهي في الصغر ثغرات في الأنظمة الصحية العالمية قد تؤدي إلى انهيارها قريبًا.
نظام الرعاية الصحي لأقوى دولة عسكريًا واقتصاديًا هو أحد تلك الأنظمة التي كشف فيروس كورونا الغطاء عن ضعفها وعجزها وهشاشتها. فبينما يعد نظام الرعاية الصحي الأمريكي هو الأغلى تكلفة على مستوى العالم فإنه في المقابل يعد الأسوأ مقارنة بالأنظمة الصحية للدول المتقدمة. حيث إن هناك أكثر من 30 مليون أمريكي دون تغطية صحية، كما أن أكثر من 44 مليون شخص بتأمين غير كافٍ.
التكاليف الطبية هي أكبر مشكلة يواجهها الأفراد، وهي المشكلة الأكثر تفردًا للنظام الأمريكي دون بقية الأنظمة الصحية حول العالم. فتكاليف الرعاية الصحية المرتفعة والقدرة الطبية المتواضعة جعلت الولايات المتحدة مهددة بشكل فريد للإصابة بفيروس كورونا.
في عام 2019، أفاد 33 % من الأمريكيين أنهم تأخروا عن علاج حالة طبية بسبب ارتفاع التكلفة. وفي دراسة أجريت عام 2018 وجدت أن الخصومات العالية في خطة التأمين قد تؤخر حتى النساء المصابات بسرطان الثدي من تلقي الرعاية حتى بالنسبة للخدمات الأساسية في هذه الحالات مثل التصوير.
غالبًا ما ينتظر غير المؤمن عليهم وقتًا أطول إلى أن تسوء الحالة الصحية أو تصبح أكثر خطورة قبل طلب المساعدة الطبية مما يعني إصابتهم بالكثير من الأمراض الأخرى أثناء تفشي الفيروس مما يهدد صحتهم، بسبب تكاليف الجيب الضخمة لزيارة الطبيب أو غرفة الطوارئ أو العلاج.
ورغم أن حجم الإنفاق الصحي يفوق أي نظام صحي آخر، إلا أنه وفقاً لتقارير إخبارية عدة هناك نقص حاد في الإمدادات الطبية وأجهزة التنفس بما في ذلك معدات الحماية الشخصية Personal Protective Equipment (PPE) كأقنعة الوجه وأجهزة التهوية.
انتشر وباء كورونا بسرعة في الولايات المتحدة حاصدًا الأرواح وكاشفًا عن إخفاقات نظام تقديم الرعاية الصحية في تلك المواجهة القوية مع هذه الجائحة. بعد أن وصل عدد المصابين بكورونا 337.646 شخصاً عند كتابة هذا المقال، وما زال بازدياد، متجاوزًا كلًا من الصين وإيطاليا، أصبحت الولايات المتحدة مركزًا لوباء COVID- 19 حيث تشهد مستشفياتها ارتفاعًا في حالات جديدة كل يوم.
في نيويورك وحدها تلك المدينة التي لا تنام، تأكد إصابة ما يقرب من 76000 حالة وما زال الرقم يتصاعد بوباء كورونا، حيث وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز فقد صرَّح حاكم الولاية أندرو كومو في 30 مارس الماضي أن عدد الوفيات في نيويورك تجاوز 250 وأضاف أن هذا الرقم قد يصل إلى 800 في اليوم.
وصرَّح المستشارون الطبيون في البيت الأبيض أنه برغم وجود الاحترازات وفرض التباعد الاجتماعي القائمة بالفعل، فإنه ما بين 240000 - 100000 أمريكي معرضون للموت بسبب COVID- 19، ودون تلك الإجراءات يمكن أن يموت أكثر من 2 مليون أمريكي.
يرى الباحثون أن نظام الرعاية الصحية الأمريكي الحالي يمكن أن يجعل تفشي الأمراض أسوأ بكثير، حيث تقول Lynne Blewitt أستاذ السياسة الصحية والإدارة بجامعة مينيسوتا: «ليس لدينا نظام بالفعل».
وتضيف: أن النظام الصحي الأمريكي الحالي هو عبارة عن مزيج من مقدمي الرعاية العامة والخاصة وكذلك ملايين الأشخاص غير المؤمن عليهم، وذلك ما يتنافى مع مصطلح النظام والذي يشير إلى خطة موحدة.
هناك نحو 28 مليون أمريكي دون سن 65 بلا تأمين صحي عام أو خاص، وهذا يعني حسب تصريح Blewitt: أنه في حالة تفشي المرض فإن هؤلاء الأشخاص والذين ظهرت عليهم أعراض المرض يتجنبون الذهاب للطبيب خوفًا من التكاليف الباهظة.
ساندرا كوين، من جامعة ماريلاند تقول «إن ظروف نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة تعني أن مرضًا رئيسًا مثل COVID- 19 - أو H1N1-2019 يكشف جميع الثغرات». وذلك في إشارة إلى هشاشة النظام الحالي.
إن أزمة كورونا عرَّت البنية التحتية وكشفت أوجه القصور في النظام الصحي الأمريكي المهترئ. حيث يعاني من نقص في القدرات والإمدادات، فعلى سبيل المثال: مع ازدياد عدد المصابين بـCovid- 19 الذين يعانون من أعراض خطيرة هناك حاجة ملحة لأسرة المستشفيات إلا أننا نجد نقصًا في عدد الأسرة للفرد مقارنة بكثير من دول العالم المتقدم، كما أن هناك عددًا أقل من الأطباء للفرد أيضاً حيث يوجد 2.6 طبيب لكل 1000 شخص.
أحد المشكلات الرئيسة التي تواجه الأنظمة الصحية هو افتقارها إلى القدرة الاحتياطية للتعامل مع الأزمات الصحية مثلما تواجهه الآن مع أزمة كورونا. فعلى سبيل المثال: خلال العقدين الماضيين انخفض المعروض من أسرة المستشفيات في النظام الصحي الأمريكي بسبب إغلاق المستشفيات وعمليات الاندماج.
وتشير التوقعات إلى أن انتشار فيروس كورونا يمكن أن يشكل ضغطًا هائلاً على النظام الصحي الأمريكي وخاصة المستشفيات، مما قد يؤدي إلى نقص كبير في الأسرة والمخزون الطبي والكادر الصحي.
على صعيد آخر، هناك مخاوف من أن الإمدادات الطبية من أجهزة التنفس غير كافية لرعاية المصابين بأمراض خطيرة خلال تفشي وباء كورونا.
حيث يوجد حالياً نحو 45000 وحدة عناية مركزة في الولايات المتحدة، ومع تفشي أمراض الجهاز التنفسي فإن نحو 2.9 مليون أمريكي قد يحتاجون إلى رعاية وحدة العناية المركزة. وفقاً لتقرير صادر عن إريك تونر وريتشارد والدهورن في مركز جامعة جونز هوبكنز للأمن الصحي. كما تم تقييد استخدام الأقنعة والأثواب للحفاظ على الإمدادات المحدودة في كل من سياتل ونيويورك للحفاظ على الإمدادات الطبية المحدودة.
يحتاج النظام الصحي في أمريكا إلى احتياطي وطني أكثر قوة لموارد الرعاية الصحية لتجاوز أزمة كورونا أو أي أوبئة مماثلة مستقبلًا. فعلى سبيل المثال، إن المخزون الحالي من أجهزة التنفس والذي يقدر بـ 160.000 قد يكون كافيًا لتفشي وباء معتدل ولكن ربما لا يكون كافيًا مع انتشار حاد لوباء مثل وباء كورونا.
إن تفشي مرض كورونا أو COVID- 19 والمشابه لما يسمى بالإنفلونزا الإسبانية عام 1918 والتي أودت بحياة عشرات الملايين حول العالم، وما يقارب 750.000 أمريكي، قد كشف بالفعل أوجه القصور وعدم المساواة في نظام الرعاية الصحي الأمريكي.
إن الوضع الحالي لنظام الرعاية الصحي الأمريكي يطرح تساؤلات كثيرة حول واقع تفشي وباء كورونا ومدى جاهزية النظام الصحي لأقوى دولة اقتصادياً وتكنولوجيًا لمواجهة انتشار هذا الوباء.
** **
@HudaAlSharief