الشهرة قيمة في حد ذاتها، ولكن تُرى أي نوع من أنواع الشهرة التي يبحث عنها الإنسان؟ لا شك أن الزعيم النازي أدولف هتلر -على سبيل المثال- مشهور كأحد أعتى السفاحين الذين عملوا على سفك دماء البشرية، شأنه في ذلك شأن الكثيرين من مجرمي الحروب الذين يذكرهم التاريخ؛ فما قيمة شهرته تلك أمام شهرة آخرين كإسحاق نيوتن وجيمس وات وابن الهيثم وابن النفيس، وغيرهم الآلاف ممن أفادوا البشرية، وعملوا على تطوُّرها وتقدُّمها.
ابتُلينا ما يربو على العقد الزمني أو أكثر قليلاً، وذلك بظاهرة ارتبطت بما شهدناه من تطور في وسائل التقنيات الحديثة التي كانت سببًا في شهرة الكثير منهم (أعني الباحثين عن تلك الشهرة المزعومة)؛ ليصبح «زوير وعوير» وغيرهما من مشاهير الخواء الفكري.
دعنا نعرج قليلاً على أن ما حدث هو أزمة مفاجئة للعالم، أحسن فيها قادة الأزمات، وقادة بلادي كانوا أحدهم، وبكل فخر واعتزاز، فيما عانت الدول الكبرى ممثلة برئيسها دونالد ترامب حين وجّه كبرى شركاتهم الصناعية حتى غير المختصة بالتحول لإنتاج آلاف من أجهزة التنفس الصناعي.
لم ننتهِ من محور المقال الأساس، ولكن وجبت الإشارة للأزمة؛ لكي نربط بينها وبين «تجار أزمات وسائل التواصل»؛ إذ لا يزال بعضنا يقف عند هؤلاء المشاهير الذين تحوَّل الكثير منهم بممارساتهم وما يبثونه إلى بؤر أخرى للمرض والوباء، تكاد لا تقل في خطورتها عن وباء كورنا المتشبث بالعالم؛ فنجد بعضهم يحاول اقتحام أماكن العزل الصحي، أو يحاول تخطي حظر التجوال الجزئي المفروض لضمان صحة المواطنين؛ لا لشيء سوى الحصول على ما يعتقد أنه سبق وانتصار، يزيدان من شهرته وعدد متابعيه من أجل الكسب المادي؛ كونه تمكَّن من جلب الآلاف من المتابعين دون النظر أو الاكتراث إلى عواقب ذلك الصحية والأمنية، وقبلها العواقب الأخلاقية والقانونية.. حتى وصل بهم الحال -للأسف- إلى تناقل تغريدة في أحلك الظروف للرئيس الأمريكي التي أرسلها بالخطأ إلى أحد هؤلاء المشاهير بدلاً من إرسالها إلى «إدارة الغذاء والدواء الأمريكية» دون النظر إلى فحوى هذه التغريدة، وأهميتها في مكافحة تلك الجائحة اللعينة، ودون الاكتراث بدور هذه الإدارة المعتبر في تلك الأزمة؛ لينصب سيل التعليقات الجارف على ذلك المشهور «المحظوظ» الذي فاقت شهرته -على ما يبدو- شهرة الرئيس الأمريكي نفسه في الليلة ذاتها!!
إنه تجسيد للخواء الفكري الذي أصبح هؤلاء المشاهير أحد نجومه الآن في مسار يكاد يُخرجنا كأمة العرب من مسار التاريخ. وحسنًا كان القرار الصادر منذ ساعات باعتماد حساب أحد التطبيقات لوزارات الدولة كافة دون غيرها من حسابات لمثل هؤلاء المشاهير الذين أصبحوا على استعداد للتضحية بكل المُثل والقيم من أجل شهرتهم فقط! فليكن ذلك القرار مدخلاً لتنظيم الكثير من أمور حياتنا القادمة في عالم ما بعد كورونا.
ختامًا:
حمى الله وطننا وقادتنا وإيانا من كل شر..
أيضًا وأنا أكتب نهاية هذا المقال علمت أن ثمة توجيهات صدرت بعدم التعامل مع المشاهير إياهم من خلال الحملات والتغطيات للمناسبات الحكومية، وأن يتم الاعتماد على وسيلة كل جهة حكومية. إنه قرار صائب، سوف يكون دوره في المجتمع توعويًّا وتثقيفيًّا، ولن تجد في وسط التغطية أو المادة المقدمة «دعاية عسل» أو «طحين»!
** **
- عميد كلية الهندسة وتقنية المعلومات بكليات عنيزة الأهلية
Smsy83@gmail.com
Twitter acc: @smsy1983