فضل بن سعد البوعينين
في وقت جنَّدت فيه الحكومة جميع إمكاناتها المادية والبشرية لمواجهة وباء كورونا، وحماية البلاد والعباد من مخاطره، استغل بعض تجار الأزمات إنفاق الدولة السخي الموجَّه لاحتواء الوباء، وتوفير السكن الملائم للمواطنين العائدين من الخارج لقضاء فترة الحجر الصحي، للكسب غير المشروع في مخالفة صريحة لشرع الله، والأنظمة الرسمية، وتجرُّد من الإنسانية والمروءة.
تزامن نشاط فيروس الفساد مع وباء كورونا، وكلاهما من الأوبئة الخطرة والمدمرة التي تحتاج لاستئصال، ولقاح يوقف تفشيهما في المجتمع. لكل أزمة تجارها ومستغليها، غير أن استغلال أزمة كورونا لتضخيم عقود الفنادق المستأجرة لإيواء المواطنين من أقبح الأعمال التي تغذيها دناءة النفس، والتجرد من الإنسانية، وخيانة الدين والوطن، إضافة إلى التجرد من الإنسانية التي يفترض أن تكون حاضرة في الأزمات. فئة شاذة يقابلها الشريحة الأكبر من رجال المال والأعمال الذين قدَّموا مساهماتهم السخية للوطن، ووضعوا مستشفياتهم وفنادقهم تحت تصرُّف وزارة الصحة، يشكِّلون فيما بينهم النماذج المشرفة لغالبية قطاع الأعمال في المملكة الذين يتسابقون لنصرة الوطن، والتخفيف عن المواطنين.
أما خيانة أمانة الوظيفة الحكومية فهي مؤشر خطير على أن فيروسات الفساد ما زالت مترسبة في القطاع الحكومي، ولم تردعها الإجراءات المشددة والحرب الكفؤة التي تشنها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد.
وبالرغم من الأزمة الاقتصادية، وانهيار أسعار النفط، والانخفاض الحاد في الإيرادات، أنفقت الحكومة بسخاء لحماية المواطن والمقيم من الوباء، وتعزيز الأمن الصحي، وحماية الاقتصاد من تداعيات كورونا الخطرة. أكثر من 230 مليار ريال أنفقتها الدولة من خلال حِزم دعم متنوعة، منها ميزانية مفتوحة للصحة لتحقيق الرعاية والأمن الصحي، وتوفير السكن الملائم للسعوديين في الداخل والخارج، وإعادتهم إلى أرض الوطن، في وقت تخلت فيه دول العالم الكبرى عن مواطنيها. وهي جهود متميزة، يُفترض أن تعزَّز بالنزاهة المحققة لكفاءة الإنفاق، وحماية المال العام، لا الخيانة والفساد المنظم، خاصة من مستثمري القطاع السياحي الذي أُصيب بشلل تام في جميع دول العالم، وتكبَّد خسائر فادحة، إلا في المملكة التي زادت فيها نسبة الأشغال لتصل إلى 100 %، لا بسبب الطلب على السياحة، بل بسبب استئجار الدولة تلك الفنادق، وتحويلها إلى حجر صحي، وسكن للمواطنين العائدين من الخارج لقضاء فترة الحجر التحوطي.
في الأزمات تبرز أهمية التضحية والإنسانية والإيثار من جميع المواطنين والمقيمين، وليس قطاع الأعمال فحسب، إضافة إلى المشاركة في جهود الدولة، وتحمُّل المتغيرات الطارئة، وإجراءات التحوط والمعالجة التي تتخذها الحكومة، خاصة أن الفترة الحالية لا يعلم مداها أو حجم تبعاتها الاقتصادية إلا الله.
أختم بالإشادة بالدور الحيوي الذي تقوم به هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، وعملها المستدام حتى في خضم أزمة كورونا، وسعيها الحثيث لتجفيف مستنقعات الفساد الآسنة. رسالة قوية أوصلتها الهيئة للفاسدين والمتطاولين على المال العام والمفرطين بأمانة الوظيفة الحكومية، وللمجتمع بشكل عام، بأن أعمال الهيئة مستمرة لمكافحة الفساد، وقطع يد الفاسدين، وتعزيز ثقافة النزاهة تحت سطوة القانون وعين الرقيب الساهرة والمتحفزة لقمع الفاسدين.