سهام القحطاني
* منذ دخلنا نطاق جائحة كورونا ولا يمر علينا يوم دون أن نتلقى من الأصدقاء كوميكسات عن الوضع الراهن أو نحن نرسل إليهم ما نتلقاه من مصادر مختلفة ليصبح كل منا في هذه المنظومة التواصلية مُرسِلا ومستقبِلا معا لتدوير رسالة مرح ترسم على وجوهنا بسمة تفاؤل وتحمينا من جائحة الهلع التي هو أشد خطرا نفسيا من جائحة كورونا ذاتها.
والنكتة في زمن كورونا هي بمثابة كرة تنفيس الضغط والتوتر التي تعيد لنا هدؤنا العصبي والنفسي والفكري بعد سماعها أو قولها، فالضحك علاج وجداني لهمومنا ومخاوفنا، وكلما أصبحنا جزءا من تدوير منظومة المرح تلك تلاشت نوبات الفزع التي تحيط بنا من خلال الإحصاءات المتواترة لضحايا هذه الجائحة يوميا والآثار المترتبة عليها.
في زمن الأزمات الكبرى يتسع محيط المجهول مقابل معلوم ملغوم بالخطر والخوف والقلق وهو معلوم يُشيع حالة الاكتئاب بين الناس، فيأتي الكوميكس بردا وسلاما على النفوس المضطربة بالخوف والقلق؛ لأنها تمنحنا الإحساس بالتحكم في تلك الأزمة، وهو إحساس يحوّلنا من ردة فعل إلى فعل، ولذلك يزداد نشاط النكتة وحيويتها في الأزمات ونبدع و«نتفنن» في تشكيلها وتشكيل وسائطها لتتحول الكثير من مشاهد المسرحيات والمسلسلات الكوميدية وحتى الأغاني الشهيرة إلى كوميكسات تتمازج مع الجائحة لترسم على وجوهنا الابتسامة وفي قلوبنا الطمأنينة، كاشفة حجم الإبداع الذي يتميز به الشباب.
* بنيت الدراما في التاريخ الإنساني على المأساة باعتبار أن الألم هو الذي يُطّهر الذات الإنسانية ويمنحها سمة الترقي والرقي. وعندما اتسعت الرقعة الشعبية للدراما ظهرت الملهاة كنقيض للمأساة متجاوزة طبقة النبلاء والفكر الفروسي إلى الطبقة المهمشة و«عقل الشارع» ومشكلات اليومي الواقعي. وهذا النقيض جعلها درجة ثانية في عالم الدراما؛ لأنها لا تعتمد على الألم في علاج أزمات الذات الإنسانية بل على الإضحاك من خلال تصميم الأزمة أو العيوب كموقف فكاهي، ومع التطور الفكري للملهاة كونها ثنائية جدلية في ذاتها تمت فلسفة الإضحاك ليتحول من مجرد متعة انفعالية إلى قيمة درامية لعلاج عيوب الذات الإنسانية؛ لأن الإنسان بطبعه يفترض لذاته نقاء الطبع، ولذلك يرفض النقد المباشر لِم فيه من مساس بكرامته وتصادم مع ذاته المتعالية، لكن لو وصل له النقد من خلال موقف فكاهي أو نكتة أو كوميكس ظريف حينها ردة فعل الاستجابة تختلف.
ثم ما لبث الموقف الفكاهي من التحرر من قيود الملهاة ليصبح فنا في ذاته من خلال «النكتة» التي حظيت بشعبية كبيرة عند الناس محطمة حواجز الطبقية الاجتماعية والعلمية والثقافية وأصبحت بمثابة القهوة والشاي عند الناس أي واقع صريح.
يعتمد البناء السوسيولوجي للنكتة علي الأزمات وأنماط العلاقات المتناقضة والعيوب الاجتماعية والفكرية وما يدخل في إطار الشاذ والقلّة؛ وهو ما قد يوقعها حينا في مصيدة التمييز والإباحية، وفي ذات الوقت يمكن استثمارها كأداة من أدوات التحليل السوسيولوجي للمجتمع ورصد سلوكاته واتجاهاته الفكرية، كما يُمكن أن تُصبح مستندا تاريخيا يوثق مرحل من مراحل تحول المجتمعات.
وتهدف النكتة إلى تحقيق نوع من الأمن أو الدفء النفسي للذات الإنسانية في زمن الأزمات؛ لأنك كلما سخرت من أزمتك حففت من القلق نحوها. والنكتة في وسائطها المختلفة هي خطاب تواصلي في ذاتها، ولذا فهي تحظى بخصائص فنية ضامنة لقوة تأثيرها وسرعته، أما أهم خصائصها فهي:
- عمومية الفهم وهذه العمومية تعتمد على مصدرين هما: شعبوية منطوقها المتوافق مع الذهن الجمعي، ووحدة التشارك الدلالي للمغزى، وهي وحدة تشارك دلالي غالبا ما تُسقط الحدود الجغرافية للنكتة.
- الشفهية، فالنكتة في الأصل هي خطاب شفهي التداول، ولذا يشترط خصائص فنية للإلقاء حتى يتحقق الهدف من النكتة فقصدية النكتة مرتبط بكيفية الإلقاء، وهو ما رسّخ فيما بعد ظهور «فن المونولوجست».
- سهولة تشكيل وسائطها فهي لا تقتصر على اللغة بل تشمل الصورة وهذا التزاوج بين اللغة والصورة رسّخ لفني «الكاريكاتير» و«الكوميكس».
فابتسم فأنت في زمن الكورونا.. زمن سُكّ بعلامة تاريخية.