حسن اليمني
حين نتأمل صور التكاتف الأممي في التبادل والتعاون البحثي والتطويري والاكتشاف والاختراع والإبداع يشعر كثير منّا نحن العرب بشيء من الغبن والضيق لغياب أي ملمح للتعاون والتبادل النفعي بين الدول العربية، فيما عدا التعاون الأمني والاستخباراتي السياسي لا أكثر.
تتسابق الأضداد الدولية في الشرق والغرب على الاستفادة العلمية والبحثية من تجارب بعضها ونتائج أبحاثها بالإضافة والتطوير إلى التعاون والمشاركة، سعيًا للتقدم والتطور الحياتي أو الدنيوي للعالم ككل, في حين يظهر التشكيك والتقليل أو التحقير لأي جهد علمي عربي، ولا يتم قبول منجز إلا على مضض تطغى عليه المجاملة السياسية المؤقتة, كل قطر عربي يعتقد أن الصواب خارج المحيط العربي وكأن الحال صراع للخروج من البوتقة العربية كفراً بجدواها في عالم متقدم, والعجيب أن علماء عرب اختاروا الطريق الصحيح وانتقلوا للغرب أو الشرق ليُسَخِّروا العقل العربي في خدمة الإنسانية وقد نجحوا وأبدعوا, لم يخرجوا من أوطانهم سعياً للمال أو الشهرة أو السلطة، ولكن خرجوا مرغمين باعتبار أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة.
كاد العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين حين انتهج سياسة احتواء العلماء والمبدعين العرب أن يحقق مكاسب علمية وبحثية تمهد لقيام نهضة حقيقية لولا حضور «العنترية» السياسية التي أطاحت بكل شيء وأعادت العراق مائة عام للوراء, وتوفرت الموارد والثروة في بعض دول الخليج وهي تسعى للبناء والتطور لكنها اختارت الاستناد لخارج حدود الوطن العربي - مُرغَمة - تحاشياً لمزالقه وتأرجحته فتقدمت شكليًا إلى حد منافسة المظاهر السطحية في الغرب دون أن يتحرك المضمون بالاتجاه الصاعد بالدرجة نفسها, وفي ما عدا ذلك بقيت الأقطار العربية تدور في حلقاتها المفرغة مغلبة الاهتمامات السياسية والأمنية على حساب البناء الحقيقي للدولة أو القطر العربي بالمقومات الأساسية للتقدم والتطور.
وبرغم أن الوطن العربي يزخر بزخمٍ من القضايا والمحن منذ الاستقلال والتأسيس بداية القرن العشرين الفائت، إلا أنه وحتى اليوم لم ينجح في معالجة أي قضية برغم الانزواء السياسي تحت مظلة الغرب أو الشرق, وبالطبع لم يتقدم خطوة واحدة نحو الإنتاج المعرفي لا بحث ولا تطوير برغم توفر كل الإمكانات نتيجة إهمال هذا الجانب على حساب الظهور السياسي في المحفل الدولي حتى وهو حضور استجداء وتبعية لم يحصل على أي نتيجة حقيقية بأكثر من ظهور الحضور الدعائي المزيّف للنظام الحاكم، وكأن ذلك غاية الأمن والاستقرار الذي ينكشف عواره عند نزول أي قضية مثل ما يحدث في سوريا وليبيا اليوم، وليس تجاهلاً لفلسطين ولكن لأنها لم تعد همًا بقدر ما أن بقاءها صار قضية حان التخلص منها ربما لعدم جدواها, هذا في الجانب السياسي والعسكري والذي يحوز على جلّ الاهتمام في النظام العربي, وكون باقي القضايا كالتقدم والتطور وتثبيت قاعدة الأمن والاستقرار الحياتي أو الدنيوي المستند على الإنتاج والابتكار لا تشغل بال السياسي أمام انشغاله بتوطيد صورته الشكلية في السطح العالمي بقيت متأخرة وغائبة عن الاهتمام مما حفّز كثيرًا من خريجي المدارس والجامعات النابغين للرحيل خارج المحيط المحبط ليحظوا بالتقدير والاحترام ويساهموا في تقدم البشرية علميًا وبحثيًا اختراعًا واكتشافًا, كما أن المال العربي هرب هو أيضًا للبنوك والمصانع الأجنبية في مقابل الحديد والبارود الذي تكدس في الأقطار العربية بأضعاف ما لدى الكيان الصهيوني وإيران وتركيا وأثيوبيا مجتمعة ودون أن يقدم ولو مؤشرًا واحدًا للقوة.
إن غياب أو تغييب الشعب أو الأمة عن عملية البناء للدولة بحكم ظروف البناء والتأسيس الذي أصبح سمة القطر العربي منذ نشأته حتى وإن غابت اليوم مقولة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» عن الظهور الإعلامي لكثرة اجتراره ومضغه حتى تأكسد وتعفن إلا أنه باقٍ وما زال صامدًا في مخيلة السياسي العربي تحجب عنه حقيقة ما أفرزته المدارس والجامعات وتقنية المعلومة والتواصل الإلكتروني من وعي وتقدم هائل في العقل العربي الذي يتوق بقوة للنهوض والتقدم والتطور في البحث والإنتاج، لكنه وقف أمام خيارين لا ثالث لهما صاغته النظم العربية الحاكمة أمامه، وهي إما أن تتجاهل فكرك وعقلك وتعيش في رعاية نمطية أو تغادر إلى أوطان تحترم عقلك وتفكيرك, فالتعاون الأمني والاستخباري بين النظم العربية هو الأهم في فكر النظام العربي للتقدم والتطور وليس التكاتف والتعاون في تطوير وتقدم الكشف والبحث الحياتي أو الدنيوي للأمم.