حمّاد السالمي
كانت الصين وسوف تظل؛ بلد العجائب والغرائب؛ أما علاقتها الحميمة بالخفافيش فلن تهتز، لأنها قائمة على أسس تاريخية وثقافية، وليست جديدة عليها، ولن تنته هذه العلاقة مع ظهور أو غبور فيروس (كورونا الجديد covid-19). الأمر المخيف حقًّا؛ هو ما قال به فريق من الباحثين قبل أيام قلائل؛ من أن (6 فيروسات) جديدة مجهولة تم تحديدها من قبلهم؛ تنتمي إلى نفس عائلة فيروسات كورونا، وأنها توجد في الخفاش..! هذا هو الخفاش القاتل، الذي خصصت مقالي يوم الأحد الفارط للكلام عليه، وتمنيت لو كان رجلاً فقتلته. إنه المتهم الأول على ما يبدو في نقل فيروس كورونا إلى إنسان صيني أكله فنشره داخل الصين وخارج الصين. عنوان المقال: (لو كان الخفّاش رجلاً لقتلته..!). وهذا رابطه على الجزيرة:
http://www.al-jazirah.com/2020/20200419/ar2.htm ، ولأن للصينيين تقاليدهم مع هذا ( الطائر- الحيوان)؛ التي تصل لدرجة التقديس؛ فإن هناك في هذا العالم من لهم علاقاتهم التاريخية مع الخفافيش هم كذلك. ففي أساطير أمريكا الوسطى؛ هناك أسطورة الرجل الخفاش، الذي هو عبارة عن مخلوق أسطوري يماثل الرجل الخفاش تماماً ويسمى: (Camazotz).
وليس بالبعيد.. فالأمريكيون -الولايات المتحدة الأمريكية- على سبيل المثال؛ كانت لهم علاقة من نوع ما مع الخفاش قبل ثمانين من السنين. ذلك أن البحرية اليابانية؛ نفذت في (7 ديسمبر 1941م (في الحرب العالمية الثانية؛ ضربة قوية للأسطول الأمريكي القابع في المحيط الهادئ في قاعدته البحرية في ميناء (بيرل هاربر بجزر هاواي). أسفرت الضربة عن مقتل أكثر من ألفي جندي أمريكي، فأرغمت الولايات المتحدة وقتها؛ على إجراء تجارب على الخفاش وبالخفاش للثأر من اليابانيين..! فأمسك جنودها بـ(8 ملايين خفاش)، استعملوها كطائرات (درونز)، تحمل قنابل محرقة، وأطلقوها على نموذج أقاموه لمدينة يابانية، ولكن.. ويا للعجب.. الخفافيش (الدرونز)؛ ارتدت وهاجمت قاعدتهم، فدمرت ثمانين بالمئة من المدينة العسكرية التي بنوها في الصحراء..!
من ضمن أعراض الإصابة بفيروس كورونا: (العطس المستمر)، وحتى اليوم؛ لم نقرأ أو نسمع أو نرَ؛ أن مصابًا بكورونا ظل يعطس طيلة يوم كامل، أو حتى ساعات من يوم. لكن مما يُنقل ويُذكر؛ أن فتاة عمرها 17 عامًا؛ واسمها: (جون كلارك)، من مدينة ميامي في الولايات المتحدة الأمريكية؛ انتابتها نوبة عطس (تاريخية) بشكل مستمر، بدأت من 4 يناير 1966م، فظلت تعطس دون توقف طيلة 155 يومًا..! حتى تم علاجها بالصدمة الكهربائية. هل عانت الفتاة تلك من مرض كوروني متقدم قبل نصف قرن..؟ الله أعلم.
وفي تقميشة ذات صلة بما نعيشه مع هذا المرض القاتل؛ فإنه يرد في أساطير الصين؛ أن رئيس (الأبالسة)؛ أصابه ذات يوم مرض خشي أن يودي بحياته السفلية، وكانت مملكته الإبليسية وقتها خالية من الأطباء، فأمر أن يذهب اثنان من أعوانه الأبالسة إلى الأرض، ويأتياه بطبيب، فقالا: ولكن كيف نميز بين الطبيب البارع والطبيب الجاهل..؟ قال: إن الأطباء تزورهم دائمًا أشباح الموتى الذين قتلوهم -قتلهم الأطباء- فأتياني بالطبيب الذي قلّت الأشباح حول منزله. فمضى الرسولان يتفقدان منازل الأطباء في الأرض، فإذا عند كل طبيب عدد كبير من الأشباح، وأخيرًا.. وصلا إلى منزل طبيب ليس عند بابه إلا شبحان فقط، فحملاه إلى المملكة السفلى، فلما صار أمام رئيس الأبالسة سأله هذا قائلاً: كم لك وأنت تتعاطى صناعة الطب..؟ قال الطبيب: يومان ونصف..!
القصة لا تخلو من رمزية نقدية للطب والأطباء وتاريخ الإنسان مع الأمراض والأوبئة، فها هو العالم يرزح تحت نير فيروس كورونا المتجدد، الذي نما وترعرع في حضن خفاش على ما يبدو، ثم انتقل للإنسان، وهو عبارة عن خلية متناهية في الصغر، بحيث لا تُرى إلا بمجاهير مكبِّرة عدة مرات. هذه الخلية الحقيرة الصغيرة جدًا؛ تهاجم اليوم (60 بليون خلية) في الإنسان الواحد -كما قدر ذلك العلماء- وهي في حالة نشطة؛ بحيث يموت منها في كل ثانية: (50 مليون خلية)، ويولد مكانها في الثانية ذاتها: (50 مليون خلية) أخرى.. يا للعجب. ويا لقدرة الخالق سبحانه وتعالى. وحتى يصل العالم إلى أسرار هذا الفيروس القاتل؛ ويأخذ البشر بأسباب العلاج للخلاص منه ومن شره الذي عمّ الكرة الأرضية بكاملها؛ فإن سنة الله في خلقه سائرة وماثلة في كل وقت وحين. لقد صدق أبو العتاهية يوم قال:
إِنَّ الطَبيبَ بِطِبِّهِ وَدَوائِهِ
لا يَستَطيعُ دِفاعَ مَكروهٍ أَتى
ما لِلطَبيبِ يَموتُ بِالداءِ الَّذي
قَد كانَ يُبرِئُ جُرحَهُ فيما مَضى
ذَهَبَ المُداوي وَالمُداوى وَالَّذي
جَلَبَ الدَواءَ وَباعَهُ وَمَنِ اِشتَرى