د.عبدالله بن موسى الطاير
أعلن عدد من الدول القريبة جغرافية والبعيدة عن بدء تخفيف القيود التي فرضتها لمواجهة جائحة كوفيد-19 . إجراءات كانت ضرورية لثلاثة أسباب من وجهة نظري؛ تباطؤ سرعة الانتشار، والتعرّف أكثر على الفيروس وكيفية التعامل مع ضحاياه، ثم أخيراً تجهيز مرافق صحية قادرة على استيعاب أكبر عدد من المصابين بالوباء.
الدول والمنظمات المتخصصة مقتنعة بأنها لا تستطيع تحمّل الإقفال التام أكثر من 3 أشهر بأي حال من الأحوال. التكلفة النفسية على البشر ستكون عالية جداً تقتطع من صحتهم النفسية ومن قدراتهم الاقتصادية ومن إمكانية بقاء بعضهم أحياء بسبب حاجتهم إلى من يطعمهم ويداوي أمراضهم المزمنة والطارئة، وبذلك يكون العزل إجراءً تكتيكياً وليس خيارًا إستراتيجيًا.
يبقى السؤال عن طبيعة الإجراءات التي ستفرضها الدول عند تخفيف العزل، ومدى اكتساب الناس الخبرة في تطبيقها على أرض الواقع، ومن ذلك فرض قيود على الحد الأعلى للتجمعات، والمسافة الفاصلة بين البشر، وكيف سيتم تكييف بيئات العمل معها، وكلفتها الاقتصادية، والإطار الزمني لها.
لا تزال الأمراض المعدية التي تصيب الجهاز التنفسي السفلي تحصد حياة أكثر من 3 ملايين إنسان سنوياً، رغم وجود بعض الأمصال، ومنذ اكتشافه عام 1981م قتل مرض الإيدز الفيروسي المعدي ما بين 25-35 مليون شخص، ولا يوجد له حتى الآن لقاح، أو حتى دواء متاح للمرض نفسه وليس لأعراضه. الإنفلونزا الإسبانية قتلت ما بين 40-50 مليوناً وقيل أكثر، من بين نحو 500 مليون أصيبوا بالعدوى.
جائحة كوفيد-19 ليست استثناءً، فسوف تأخذ وقتها حتى يكتشف العلاج المناسب لها أو اللقاح، وسيكون علينا التعامل مع هذا الوباء، وإن كنا نتوقّع أن ينجح العلماء بالإمكانات المتاحة لهم من اكتشاف المصل المناسب حتى لا يصبح الفيروس وباءً مقيمًا أو يتجدَّد سنوياً. فيروس كورونا ليس الأسوأ بين الأوبئة التي أصابت البشرية قديماً وحديثاً، ولكنه ضرب مجتمعات مترابطة في عصر الاتصال الحديث الذي حوَّل العالم إلى غرفة وليس إلى قرية صغيرة كما كان يُقال في الستينيات من القرن الماضي.
بمقارنة سريعة لما تم التعرّف عليه حتى الآن في نطاق عدوى فيروس كوفيد-19 نجد أن كل شخص مصاب ينقل العدوى في المعدل إلى 2.5 شخص، وبمقارنته بفيروس متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الوخيم (سارس) نجد أن المصاب بفيروس سارس ينقل العدوى إلى 3.5 شخص، وفي حين يعدي المصاب بالجدري 6 أشخاص، فإن مريض الحصبة ينقلها إلى نحو 16 شخصاً. لا يعني هذا أن تلك الأوبئة متماثلة في الخطورة، ولكن يعني أن البشرية معرضة لهكذا أوبئة وعليها أن تتعامل معها.
أعتقد أن منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الصحية المعنية تتابع بقلق قرارات السياسيين لإعادة فتح الاقتصاد وجريان الحياة في شرايين المدن والمصانع والطرقات التي أقفرت. السياسيون يريدون إثبات أن الإنسان لم ولن ينهزم أمام الفيروس، وأن الأطباء والعلماء والمؤسسات الصحية أعطيت ما يكفي من الوقت للاستعداد لإعادة فتح النشاط الاقتصادي وعودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل كوفيد-19. ومما يشجعهم على اتخاذ تلك القرارات أن الصين ذات المليار و400 مواطن تعلن عن عدد قليل جداً من المصابين يومياً وربما تمر أيام ولا تعلن عن حالات جديدة. وأن فيروس سارس المميت الذي خرج من الصين أيضاً تم احتواؤه في عامين 2002- 2004، وقد يكون هذا هو مصير كوفيد-19 .
تجربة تعليق الحياة الطبيعية في الكرة الأرضية إلى إشعار آخر، وعزل الناس في منازلهم ستمر كغيرها بعد أن خلفت أضراراً فادحة بالاقتصاد وهزمت كل الغرور البشري الذي اعتد بعلومه واقتصاده وتقدّمه التقني. وستكون آثار كورونا تاريخية، بل سيكون كوفيد-19 نقطة تحوّل في مسار التاريخ تدرس لأجيال كثيرة قادمة. الحياة تنتظرنا وليس الموت فلنستعد للعودة إلى ممارسة الوضع الطبيعي للإنسان في عمارة الأرض، وسوف يذهب الفيروس إلى حال سبيله بعد أن يحصد أرواحاً من قدر الله لهم أن يموتوا بسببه. الحرص واجب، والوقاية ضرورة وليست اختياراً، ومثلما نترقب العودة للحياة الطبيعية علينا أن نستعد لتحمّل بعض القيود الطبيعية.