عبده الأسمري
منذ «صرخة الميلاد» المرتبطة بمولد كل «إنسان» إلى «شهقة الموت» التي يسدل معها «الستار» على حياة كل مخلوق يعيش البشر في «إطارات العمر» بين سلوكيات ومسالك..
يمرُّ الإنسان على محطات في قطار عمر بين اعتبار وعِبَر وانتصار ونصر، يعايش الفرح، ويتعايش مع الحزن في أيام تتداول بين الناس بين انعكاسات اطمئنان وخوف وقطبية عزيمة وهزيمة، وبين تضادات مرض وصحة؛ لتبقى الحياة «تشكيلة» من الأقدار، ترتهن للغيب الرباني، وترتكن للمشيئة الإلهية.
تحتل «الغفلة» مساحات من حياتنا ومراحل من أعمارنا؛ فتطل «المصيبة» برأسها على ساحات «الطمأنينة»؛ فتصيبها في مقتل، وتأتي «النائبة» فترمي بثقلها على مواضع «السكينة»، فتضربها في معقل؛ فيختل «الاتزان» الحياتي، ويعتل «التوازن» النفسي.
يقول الحق - عز وجل - {بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره}. في هاتين الآيتين توجيه رباني مذهل، ودرس إلهي عظيم، يتمثل في معرفة الإنسان البصيرية؛ فالسمات والصفات والإمكانات وحجم التحمل ومقدار التعامل وسرية النية تبقى في مساحة «الذات» المعلومة داخليًّا من النفس، والمجهولة خارجيًّا من الآخرين، ولكنها في إطار العلم التام في «غيب» عالم الغيب والشهادة؛ لتأتي بعد ذلك حيل الإنسان وسلوكه في «الأعذار»، ووضعها «كخطة» تعقب الأفعال تحت لواء «التبصر».
البصيرة مساحة ذاتية، يعلم تفاصيلها كل إنسان. وتختلف هذه «الملكة العظيمة» من شخص إلى آخر وفق بُعد النظر، وجد التدبر؛ ليأتي بعدها «السلوك»، ويتمخض عنها «التعامل»، وينطبق الأمر على الإرسال أو الاستقبال في التعاطي مع التداعيات والادعاءات.
بين البصائر والمصائر تسير منظومة العيش لكل إنسان؛ فهو بين «قطبية» مرتبطة، تتمثل في إدارة «الذات»، وحلول «المؤثر»، وتنطلق من الأفعال إلى النتائج في دروب حياة، تقبع تحت وطأة «متغيرات» متوقعة، أو «تغيرات» مفاجئة.
النفس الإنسانية مسكونة بالتأثر، ومرهونة بالتأثير، في ظل مؤشرات وتنبؤات تبقى حيز «التوقع»؛ ليبقى «التوجس» قرينًا لكل «مؤثرات» الحذر و«مثيرات» التحذير من فجائية القضاء وصدمات القدر.
إذا تحدثنا عن البصائر فنحن نصف عمق «النفس» وأفق الفكر، وما بين المعطيات والعطايا تظهر معاني «التفكير»، وتتجلى معالم «التدبير» وصولاً إلى المسالك الآمنة والطرقات المأمونة، وتلافيًا لكل العوائق، وتصديًا للعراقيل كافة التي تتسبب في إيقاف الطموح، وفي توقف الكفاح؛ لذا فإن «الاستباق» في دراسة «خارطة» الخطر ضرورة قصوى وملحة للكشف عن ظلمات «الأخطاء».
عندما تتحدث البصيرة في دواخلنا فهي صوت «الضمير» اليقظ الذي يرسل اتجاهات الانتباه نحو محاذير عدة، قد تأتي بلا مقدمات، ودون مواعيد؛ لذا يبقى صدى «البصائر» مناعة أولى، تقي الإنسان من ويلات السوء؛ لتبقى الأنفس في دوائر «الأمان»
ما بين البصائر والمصائر ارتباطًا بين التفكير والتدبير، وترابطًا بين التوقع والتأكيد. وعلى كل إنسان أن يكون متكاملاً مع تأكيدات بصيرته، وحتى نبوءاتها التي تقرع «جرس» الحذر، وتدق «ناقوس» الحيطة. فالبصيرة نعمة، تتفاوت كفاءتها من شخص إلى آخر وفق فروق فردية بين البشر، تحكمها الميول والاتجاهات المختلفة؛ لذا فإن من الأجدى أن ينمي الإنسان من هذه البصيرة، وأن يشبع اتجاهاتها بسلوكيات تتناسب مع كل معاني الاحتياط، وتتوافق مع شتى معالم التوخي.
ترتهن «الذات» إلى جملة من المعطيات والمؤشرات التي تفرضها البصيرة الإنسانية، وتحكمها الوتيرة اليومية من الحياة التي تغلب عليها التعاملات والمؤثرات مع البشر، ومع متطلبات العيش، ومع مطالب التعايش.
في أبعاد الحياة تأتي البصيرة كهوية ذات وعمق شعور، ترسم مشاهد الفكر في أبهى صورها وفق تراتيب ومراحل، تفرضها المصائر المختلفة.
علينا أن نعي أن البصائر «وسيلة» للإدراك، و«غاية» للحراك في سبيل معرفة ملامح المستقبل، ومعالم الغد للتأقلم مع التغير والتكيف مع التغيير في مواجهة «حتمية» مع ضروريات القدر وفرضيات «الواقع».