ما الذي جعلنا نصل إلى هنا؟ يتبادر للأذهان ذاك السؤال في هذه الفترة تحديدًا ونحن نستقبل شهر رمضان المبارك؛ لما سنفتقده من روحانية هذا الشهر التي اعتدنا عليها. للسؤال إجابات عدة، ولكن حتمًا سنرى أننا أحد هذه الإجابات، وذلك ليس فقط لأننا مقصرون في التعاون مع حكومتنا وقيادتنا، بل لأن بعضنا أصبح العبء والسبب.. فلو عدنا إلى الوراء إلى أربعة أشهر مضت، إلى هذا التاريخ تحديدًا (8 كانون الأول 2019)، الذي كنا ننعم فيه بحياتنا بشكلها الطبيعي، حينها ظهر على السطح روايات عن ذلك الفيروس المميت المسمى بكورونا كوفت 19، الذي اندلع في الصين في مدينة ووهان تحديدًا، وتفشى بين سكانها، وتناقلت أخباره وسائل الإعلام من مقروءة ومكتوبة ومسموعة، وأصبح حديث العالم بأكمله، حينها بادرت المملكة بخطوات استباقية، كانت إحداها إعادة جميع أبنائها الطلاب والطالبات من الصين، وتلتها الكثير من الإجراءات الاستباقية والوقائية، منها تعليق الدراسة، وإقفال الأسواق، وتعليق الطيران من وإلى الدول الموبوءة، قابلها بعضنا بعدم البوح عن مسار رحلاتهم عند دخولهم من المنافذ التي كانت تتضمن الدول الموبوءة؛ فعند دخولهم ينكرون أنهم كانوا في تلك الدول؛ وبذلك دخل ذاك الفيروس، وبدأت رحلتنا مع هذا الوباء، تلاها كثير من الخطابات والحملات على العديد من وسائل الإعلام، تطالب بالبوح عن مسار رحلاتهم، وقوبلت بعدم الاكتراث، وعدم البوح، وبدأت الحالات بالتزايد، حينها أصبحت الخطابات شديدة اللهجة، وأنه سيكون هناك عقوبات لمن لا يبوح بمسار رحلته الحقيقي، وما زال البعض لا يكترث بما يُقال؛ وازدادت الحالات؛ وحينها عادت الحكومة بخطابات، مفادها أنه لن يكون هناك أي عقوبات لمن يبوح بمسار رحلته؛ فحينها جاءت الكثير من البلاغات من خارج المملكة لمواطنين كثيرين في تلك الدول، أو في دول شقيقة، يكشفون فيها عن مسار رحلاتهم ورغبتهم بالعودة، وبادرت حكومتنا باستقبال جميع الحالات، وإعادتهم، وإبقائهم في الحجر. فكل يوم يعتلي المتحدث الرسمي لوزارة الصحة منصته ليطلعنا عن الحالات الجديدة، وأسبابها، سواء كانت مرتبطة بالسفر، أو كانت مخالطة، وحذر من ذلك، وشدد على الابتعاد؛ لنحمي أنفسنا وأسرنا.. وحينها كانت في الضفة الأخرى تُقام مناسبات أعراس وعزاء وغيرها، خلفت تزايدًا في حالات الانتشار، حينها قامت الدولة بإقفال جميع صالات الأفراح والفنادق والاستراحات، قابلها البعض بالزارات العائلية والزواجات العائلية في المنازل؛ فقامت الأجهزة المعنية بفرض حظر التجوُّل، ومعاقبة كل مَن يخالف ذاك تزامنًا مع الاطمئنان والتباشير بانحسار الوباء، ولكن الصدمة حينما بيّن الدكتور محمد العبدالعالي من خلال شاشة الإخبارية وأبلغنا بازدياد الحالات الجديدة؛ فأصبحت بالمئات، وأن معظمها مخالطة. وبيَّن المتحدث الرسمي لوزارة الصحة أن التجمعات والتجوُّل ما زالا قائمَيْن؛ لذلك فُرض منع التجوُّل الكلي على بعض المدن، وتم تدعيم الكثير من تطبيقات التوصيل بقصد البقاء في المنازل؛ فزاد الالتحاق بها فقط للخروج من أجل كسر حظر التجول، وحين تم اكتشاف التلاعب جرى العمل على إيقافها في بعض المدن، ولجأ ضعاف النفوس إلى تزوير التصاريح الرسمية للتنقل داخل المدن وخارجها، في حين أن الدولة تكبّدت الكثير من الخسائر المادية؛ لتحافظ على حياتنا، ومع الأسف إن بعض أبنائها هم من يعرقلون تلك الخطوات الجريئة التي تقوم بها، وكلما أردنا الخروج من عنق الزجاجة يعيدنا بعض المتهاونين إلى المربع الأول، فهل ما زلتَ تسأل عزيزي القارئ ما الذي جعلنا نصل إلى هنا؟ وأننا سنخسر الكثير من أحبابنا، وسيصبح هذا العام مشابهًا لعام الرحمة الذي يتحدث عنه الآباء والأجداد إذا لم نلتزم بتعليمات الجهات المسؤولة المختصة، وإذا لم نكن يدًا واحدة في مجابهة هذا الوباء.