بدايةً أود أن أشكر قيادة المملكة العربية السعودية ومسؤوليها في القطاعات كافة على جهودهم المبذولة في التصدي لجائحة كورونا والاهتمام بسلامة مواطنيهم في الداخل والخارج، وكمبتعثة في المملكة المتحدة أنقل لكم بعض تجاربنا مع هذه الأزمة مع الاستمرار بالدراسة في ظل الأحداث المتسارعة التي بدأت مع نهاية شهر فبراير لهذا العام. لم يكن في الحسبان أن تتطور الأمور بهذه السرعة، كانت الأمور تسير على نحو هادئ إلى أن صرحت الحكومة البريطانية ممثلة برئيس الوزراء (بوريس جونسون) أن على كل عائلة أن تستعد لوداع فرد من أفرادها بسبب هذا الفيروس. بعد ذلك بدأ الشارع البريطاني بالارتباك ونحن كمقيمين في هذا البلد كان لنا نفس الشعور من القلق بعض الشيء عن كيف ممكن أن يكون مسار الأمور والأحداث مستقبلاً. وزادت المخاوف لدى المبتعثين وكثرت النقاشات بيننا ما الحل؟ ما العمل؟ هل نعود؟ أم نبقى ونواجه هذه المشكلة ونبحث عن حلول أكثر واقعية كون أن هذا الداء في كل العالم ليس مقتصرًا على بلد دون آخر. كان الغالب على مشاعرنا الحيرة والقلق. وهنا انقسم المبتعثون إلى قسمين. القسم الأول اختار قرار العودة على أقرب رحلة متوجهة إلى المملكة أو إلى إحدى دول الخليج قبل إيقاف طيران الخطوط الجوية بين الدول. أما القسم الثاني فقرر البقاء وأن يتصرف بما يتفق مع رؤيته وظروفه الشخصية والدراسية ويظل متابعًا لتوجيهات المسؤولين في السفارة السعودية.
أما من ناحية الدعم الذي وجدناه من الملحقية السعودية في بريطانيا فكان دورهم بارزاً في دعمنا من خلال إرسال العديد من الرسائل البريدية بكافة التعليمات وأرقام الطوارئ والتواصل، وبدأت الأمور تتضح أكثر وتدعو إلى الطمأنينة بعد الكلمة المسجلة فيديو من سفير المملكة العربية السعودية في بريطانيا الأمير خالد بن بندر بن سلطان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، إذ كان لها وقع كبير في بث الطمأنينة في نفوسنا ونقل الصورة الصحيحة لما يجري من تطورات الأمور والترتيبات بهذا الشأن. يُشكر سموه على هذه المبادرة الطيبة لأنه وصلنا من خلالها اهتمام القيادة السعودية الرشيدة بشأن مبتعثيهم ومواطنيهم في الخارج.
بالنسبة للدعم من الجامعات التي ندرس فيها في بلد الابتعاث أو المبتعثين منها في المملكة فأيضاً كان دورهم إيجابيًا ومساندًا. على سبيل المثال فلقد تلقيت رسائل من بعض منسوبات جامعتي، جامعة الأميرة نورة، وإداراتها الكل يسأل ويطمئن ويقدم المبادرة بالمساعدة والدعم بطريقة أخوية لمست فيها الصدق والاهتمام. وإدارة الابتعاث أيضاً أنشأت مجموعة في برنامج الوتس أب للمبتعثات في بريطانيا وسجلت جميع الأسئلة من المبتعثات بخصوص الدراسة والوضع الحالي وما يترتب على ذلك من تبعات بغرض تنسيق اجتماع عن بعد مع معالي مديرة الجامعة للإجابة على استفساراتنا بما يخص هذا الشأن، على أن يتم إخبارنا بالاجتماع لاحقاً مع معالي الدكتورة إيناس العيسى مديرة جامعة الأميرة نورة التي ابتعثت منها بعد تحديد الموعد. لقد كان لهذه المبادرة أثر نفسي إيجابي وشعرنا أن جامعتنا تقف وتساند مبتعثاتها في هذه الأزمة وهذا يجعلنا نطمئن نفسياً على وضعنا الدراسي. أما الدعم من الجامعة المبتعثين لها في بلد الابتعاث فكان يتجلى في التركيز على الجانب النفسي بالدرجة الأولى، حيث تلقينا العديد من الرسائل البريدية حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة نفسياً، وقدم قسم الدعم الطلابي جميع المبادرات وفتح الخدمات كافة عن بعد لأي استشارة نفسية لازمة بما يخص التعامل مع هذه الأزمة. تم أيضاً إرسال التحديثات كافة بما يخص التحصيل الدراسي وتسليم البحوث وفتح باب التمديد لمن يحتاج ذلك كون الطلبة في وضع قد يكون لديهم قلة في التركيز. وأيضاً المشرفون علينا في الدراسة دائمو السؤال بين حين وآخر ويطلبون اجتماعات دورية مع الطالب عن بعد فقط للاطمئنان على وضعه الصحي والنفسي قبل الدراسي.
أشرت كثيرًا إلى الدعم والاستقرار النفسي وأثره علينا لأنه يعتبر خط الدفاع الأول في مواجهة الأزمات سواء كانت صحية أو غير ذلك، حيث إن القلق والمخاوف والضغوط النفسية كلها لها تأثير بالسلب على الجهاز المناعي وإضعافه بل وحتى أنها تؤثر على العمليات الحيوية الفسيولوجية في جسم الإنسان بالتراجع. مما يجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والعديد من الأبحاث العلمية تؤكد ذلك. فنحن ولله الحمد تلقينا الدعم النفسي والتشجيع من دولتنا وقادتنا وجامعتنا ومن المشرفين ومن الأهل والأصدقاء وكان له الأثر البالغ في الاستقرار النفسي لدينا والقدرة على مواصلة الدراسة وإدارة الأمور هنا في بلد الابتعاث بشكل جيد.
وأخيرًا أختم بتجربة الحجر الصحي في المنزل والدراسة. فهي تجربة جديدة علمتني دروسًا في الحياة مكثفة ومتقدمة. واكتسبت من هذه التجربة الصبر والقوة والحكمة في مواجهة أزمات كهذه مع الاستمرار بالدراسة والتفاؤل. فالأجواء هنا ربيع والشمس ساطعة والأزهار منتشرة في الطرقات تعطي الأمل والتفاؤل وبدأنا بالتعايش مع الوضع بشكل أفضل، يعود ذلك الفضل بعد الله إلى الاستقرار والدعم النفسي الذي وجدناه من الجميع كما أشرت. وفي شقتي المتواضعة تم تحويل طاولة الطعام في غرفة المعيشة إلى مكان متعدد الاستخدمات فصل دراسي للمراحل الدراسية الابتدائية ومرحلة الدكتوراه. وأصبح الروتين اليومي أن أكون مدرسة للمرحلة الابتدائية صباحاً لأولادي. وبعدها في الظهيرة أنتقل إلى دور طالبة دكتوراه تجري اجتماعاتها ومحاضرتها على طاولة الطعام وسط صوت الأطفال وتناثر الألعاب وتقطيع الإنترنت، ومع ذلك مستمرين ومتفائلين بأن القادم أفضل. وسنصل بإذن الله ونعود إلى أرض الوطن يوماً ما بشهادتنا لنعمل وننتج وتكون هذه الأيام جزءًا من الماضي.
** **
وفاء سعيد الأحمري - محاضر بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن - طالبة دكتوراه في التأهيل الطبي، المملكة المتحدة