يلتقط أحدهم سيجارته من النوع الفاخر، يشعلها بهدوء، ويتجرعها بضمير، ثم ينفثها بارتياح، مشهد من مشاهد مسلسلات البطل الشهير (مدخن). وبطبعه في كل مرة يدخن فيها، يفكر بتكرار المشهد مرةً أخرى، مؤمناً إيماناً جازماً بأن: (السيجارة القادمة لن تقتلني).
وتحت تأثير هذه العبارة يبقى المدخن أسيراً لهذا السلوك الممرض القاتل على اعتبار أنه لن يموت بتجرع السيجارة القادمة، ولماذا يموت بهذا السبب تحديداً وهو يشعر بالنشوة والراحة في كل مرةٍ يقبّل فيها محبوبته ورفيقة دربه؟!. وهكذا يتكرر المشهد تلو الآخر، حتى يتجرع السيجارة رقم 9999 التي تقضي عليه وتودعه قبره (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)، بالتأكيد لم يكن يتوقع بأن هذه السيجارة ستقضي عليه عندما تجرع السيجارة رقم 9998 .
أذكر أني شاهدت لقاءاً تلفزيونياً -غير تقليدي- عن المخدرات وعواقبها، فسأل المذيع سؤالاً ذكياً: لماذا يقوم المهرب بتهريب المخدرات رغم علمه بما تبذله الحكومات والسلطات والجهات الأمنية لعرقلة عمليات التهريب؟!، فأجاب الضيف بجواب غريب: لأن المهرب يؤمن إيماناً جازماً بأنه سيتجاوز النقطة الأمنية التي تقف في طريقه بنسبة 100 %، ولو كان يضع في ذهنه احتمالاً بنسبة 1 % بأنه قد يقبض عليه، لما أقدم على فعلته تلك على أغلب الظن.
وتحت وطأة الاعتقاد بأن (السلوك القادم لن يقتلني)، يقع الفرد فريسةً لكثير من الجرائم والمخالفات والسلوكيات الخاطئة مثل: (قطع الإشارة، وتعاطي الممنوعات، والاعتداء على الآخرين، والغش في الاختبارات، والرشوة، ...إلخ). وكم أرجو لأخواني أصحاب التدخين بـ(رواقة) وغيرهم ممن أدمنوا سلوكاً خاطئاً، بأن يقرأوا في علم نفس الإدمان، ليعلموا مقدار المؤامرات والمكائد التي تحاك ضدهم من قبل أدمغتهم ونفوسهم.
تبادرت إلى ذهن -العبد الفقير لله- هذه الفكرة وهو يتأمل في طرق القضاء على الفيروس المدعو (كورونا)، والذي أعتقد أن العالم سيؤرخ له بـ(الجائحة الكونية الأولى) على طراز الحرب العالمية الأولى والثانية. الأفكار كثيرة والخيالات أكثر، بالتأكيد لم أفكر في لقاح أو علاج يقضي على هذا الجسيم، فأنا طبعاً من فئة من ينتظر العلاج ولست ممن يصنعه!. ومن المؤكد بأن القضاء على هذا الجسيم لا يكون بواسطة طائرة أو باخرة أو دبابة، إنها معركة مع عدوٍ خفي ماكر، ينبغي أن نواجهه بجيش هائل عظيم، جيش قوامه كل فردٍ منا بنو الإنسان على هذه الكرة الأرضية، وكل فرد في هذا الجيش يفترض أن يكون جندياً مخلصاً مطيعاً، حاملاً بيده سيف الاعتقاد بأن للكرة الأرضية رب يحميها، وعلى رأسه خوذةً بها قرني استشعار تجعلانه ينفر ويتباعد قدر الإمكان عن أخيه الجندي المجاور له في هذه المعركة، وصدقوني، لن تذهب ريحنا وتفشل خطتنا إلا بوجود الجنود أصحاب مقولة (العطسة القريبة لن تقتلني)، لأنها قد تفعل!.
** **
- عبدالله بن يعلى