سمر المقرن
هل كل ما نراه ونسمعه يجب أن نكون عقلاء أو حكماء لنفهمه ونتعامل معه، هناك بعض الأمور، بل كثير من الأمور تحتاج لأن يتخلّلك بعض من الجنون لتكون أكثر واقعية وإنسانية من تعاملك الحكيم والعقلاني.
كاقتحام النار لإنقاذ صديقك في الداخل الملتهب عمل جنوني ولكنه إنساني، ينسى الإنسان مصالحه الشخصية بالنجاة ليقدمها زهيدة لنجاة شخص آخر، التخلّي عن أموالك للفقراء عمل ظاهره الجنون والتهور بينما باطنه الرحمة والإنسانية وإنكار الذات وكأنه يقول قد عشت ردحاً من الزمن بهذا المال وجاء دوركم لتنعموا بفضل الله لا بفضلي، أن تبتسم في وجه من صفعك عمل غبي لمن يراه، باطنه أن هناك ما هو أهم من انتقام الإنسان من الإنسان وهو أن يعود من صفعك ليحتضنك ويعتذر لك ليعيش الناس بعد ذلك في سلام.
سبل الإنسانية تمر غالباً من قيم تضعك في مكان الآخرين لتعيش معاناتهم وتفهم ما تحمله قلوبهم المحطّمة وصدورهم المتلاطمة بظلمات القهر أو الفقر أو المرض.. أو حتى الحب!
أو كما قال مصطفى محمود (لو دخل كل منَّا قلب الآخر لأشفق عليه)، نعم نحتاج أن نعيش في حياة من التنازلات المجنونة عن كثير من ردات فعلنا التي تنتصر لذلك الأنا المتربص في دواخلنا والمتوحش في ردات فعلنا. نحتاج لأن نكون الآخر في كل لحظات حياتنا لا أن تكون استثناء نشعر فيه ثم يغيب للأبد. نحن البشر أبناء البشر لم نُخلق أعداء بعضنا، بل نحن في الأساس إخوة فرقتنا مصالحنا ورغباتها وطموحاتنا التي وإن كانت نبيلة إلا أنها تأخذ من إنسانيتنا وتعطينا شيئاً كثيراً من الوحشية في سلسلة متصلة وطويلة عبر التاريخ أنتجت الكثير من المآسي في مجتمعات وإن كنت تراها متجانسة إلا أن في بواطنها الكثير من الحزن والقطيعة والتناحر ما يجعل حاجتنا لأن يتخلَّى الفرد عن غول الـ(أنا) حاجة ماسة لكي يبقى الإنسان إنساناً
قد يكون فرناندو بسوا محقاً إلى حد ما عندنا قال: (لا أحتفظ بأي حِقد لأي أحد، فلا أحقاد لديّ ولا كراهيات. فهذه المشاعر تخص من يملكون آراء أو مهنة أو هدفاً في الحياة، وأنا لا أملك من هذا شيئاً).
ولكننا نستطيع أن نملك كل هذا بلا كراهية فقط عندما نشعر بالآخرين ونتنازل عن كثير من رفاهية التملّك ونحارب قدسية الـ أنا ونغيب في بحر من الـ نحن!