م. خالد إبراهيم الحجي
الحقائق البديلة (ألترنتف فاكتس) عبارة استخدمتها كيليان كونواي مستشارة الرئيس الأمريكي ترامب في 22 يناير 2017، خلال مؤتمرها الصحفي دافعت فيه عن البيان الكاذب الذي صرحت به المتحدثة الصحفية للبيت الأبيض حول أعداد حضور تنصيب دونالد ترامب كرئيس الولايات المتحدة الأمريكية.. وقد تم لاحقاً تسمية الحقائق البديلة من قبل الإعلام الأمريكي بعدة أشياء منها الأوهام والأكاذيب والأباطيل لأنها حملت الهوى الشخصي لكيليان كونواي، والبعد عن النزاهة الصحفية، وكل البعد عن الموضوعية والآراء العادلة التي يجب أن يتميز بها الصحافيون في مجالات نقل الأخبار والأحداث المختلفة.. وفي عصرنا الحاضر أصبحت الأوهام والأكاذيب والأباطيل تنتقل عبر الإحالة، والتداول، والتراسل بين الأقارب، والزملاء والأصدقاء من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أكثر من العلم بها مباشرة من الصحفيين، أو من المنشورات الصحفية، أو الصحف، الذي يجعلنا نتساءل عما إذا كانت النزاهة الإعلامية تضاءلت في عصرنا الحاضر وحلت محلها الأوهام والأكاذيب والأباطيل، وإذا كان كذلك فإلى أيّ حد تضاءلت؟.. وبحسب تقرير معهد رويتر لأخبار الديجيتال في أكسفورد فإن 41 % من الأفراد الذين تمت مقابلتهم يحصلون على الأخبار عبر موقع الفيس بوك وتويتر.. وكذلك بحسب رويتر عندما طُرح السؤال عن القيمة من وجود مصادر متعددة للأخبار المختلفة، حظيت وسائل التواصل الاجتماعي على كثير من الثناء؛ لأنها تقدم لمستخدميها قصصاً إخبارية مثيرة يتعذر معرفتها بأي وسيلة إخبارية أخرى، غير أن الغالبية من هؤلاء الذين تم مقابلتهم لديهم تحفظ بشأن دقة ومصداقية الأخبار الموجودة في شبكات التواصل الاجتماعي لما تتضمنه من الأوهام والأكاذيب والأباطيل.. ومع مرور الوقت لحقت مصادر الأخبار الأخرى من وكالات الأخبار والقنوات الفضائية المرموقة وغير المرموقة بوسائل التواصل الاجتماعي وأسست بواباتها الإلكترونية على الإنترنت، وفي وقت متأخر جداً لحقتها الصحف الورقية العريقة والحديثة والتجارية والمزيفة التي وصل الغالبية من الجمهور إلى بواباتها الإلكترونية بواسطة البحث في جوجل على الإنترنت.
ووسائل الإعلام على الإنترنت بمختلف توجهاتها التحريرية بطبيعتها ذاتية الانتقاء، فبدلاً من الحصول على نشرة ورقية مطبوعة، كالصحيفة التي تحتوي على مواضيع وآراء عديدة، أصبحت تمنح مستخدميها القدرة على التصفح والتعرف على المواضيع والقصص الإخبارية المثيرة، التي تجمعهم مع أصدقائهم الآخرين على شبكة الإنترنت الذين يحملون أيضاً معتقدات وقيم وآراء على غرار بعضهم البعض؛ وبالتالي فإن قراءة وتداول الأخبار أصبحت عملية فردية تأخذ منحىً باتجاه الآراء الشخصية الموجودة لديهم سلفاً وأقل حيادية، إما ليشبع القراء والجمهور نهمهم بالأخبار والقصص المثيرة كي يدعم الآراء الموجودة لديهم سلفاً، أو بكل بساطة كي يشبع نهمهم بها لمجرد الترفية.. ومع النمو المتضاعف في أعداد مصادر القصص الإخبارية المثيرة في عصر الديجيتال، البعض يرى أن المسؤولية في تقييم جودتها ودقتها يجب أن تتحول من مزودي الأخبار إلى متلقي الأخبار؛ حيث إنه في عصر وفرة المعلومات وكثرة الأوهام والأكاذيب والأباطيل الذي نعيشه اليوم يلعب المتلقي دوراً أكبر، وعليه تقع مسؤولية تقييم ما يستهلكه من معلومات أو ما يصدقه من أخبار.. وربما بدلاً من الموضوعية أو حتى الحيادية التي نبحث عنها في عصرنا الحاضر، الشفافية هي المفتاح الذي سيمنح متلقي الأخبار والباحثين عن المعلومات القدرة التي يحتاجونها في التمييز بين الحقيقة والخيال.. إن وسائل الإعلام أدوات معرفية ذات قوة جماهيرية مؤثرة ولها وزن سياسي؛ حيث أنها تستطيع أن تؤثر على وجهات النظر للقراء والجمهور، وبناء على ذلك تؤثر على سلوكهم.
وفي عصرنا الحاضر كل فرد يمكن أن يصبح ناشراً مبدعاً ومؤلفاً للقصص الإخبارية بالصوت والفيديو والصورة المركبة والممنتجة إنتاجاً متقناً، ويضيف قسطاً من جعبته في شبكات التواصل الاجتماعي وسلة المعلومات التي تسمى الإنترنت، ومن هنا تأتي أهمية مصداقية الإعلام المرموق بالنسبة للقراء والجمهور عندما تحولت وظيفة نشر وتوزيع الأخبار من هيئات التحرير إلى عموم الجمهور، ولذلك فإن الحاجة اليوم أكثر من أي وقت سابق لإعلام مستقل، ومسؤول، يوفر الأرضية الخصبة للمناقشات الموضوعية والحوارات البناءة ويحفز النقد الهادف، ولكن كي تكون وسائل الإعلام المرموقة ذات مصداقية ومتزامنة مع سرعة نقل الأخبار عليها أن تتحمل مسؤولية الحصول على الحقائق بسرعة فائقة.
الخلاصة:
إن الفرق بين الأوهام والأكاذيب والأباطيل وبين الحقائق الموضوعية الواقعية مثل الفرق بين الجواهر المزيفة والجواهر الحقيقية.