عمرو أبوالعطا
ابتكر الإيطاليون طرقاً ووسائل مختلفة في طريقة تعاملهم مع الجائحة، ومحاولات بث الطمأنينة، ففي بداية تفشي المرض في البلاد وفي إقليم لومبارديا بشكل خاص (عاصمته ميلانو)، قام شبان وشابات إيطاليون بحملة حملت عنوان: Tutto andrà bene، أي «كل شيء سيكون على ما يرام»، في محاولة لضخ جرعة من الأمل والتفاؤل بتجاوز الأزمة والحد من الخوف الذي بدأ يخيم على البشر هنا، ووُزعت ملصقات في الشارع تحمل تلك العبارة، كما ألصق بعضها على واجهات المحلات والمطاعم والبارات والمكتبات ومداخل الأبنية.
من المؤكد أن الزمن الكوروني الراهن قد سبق وتخطّى مبادرات مثل هذه الآن، لسببين رئيسيين: أولهما لأن التحرك نحو أي مبادرة جماعية بات بحكم المستحيل اليوم تبعاً لإجراءات حظر التجوّل الحالية (والضرورية) في البلاد، والثاني لأن الكثيرين فقدوا الثقة بأن «كل شيء سيكون على ما يرام» في القريب العاجل، بالنظر إلى حجم قوافل الإصابات والموت اليومي حالياً.
تحولت إيطاليا إلى البؤرة الأكبر والأكثر نشراً للعدوى في كامل القارة الأوروبية، أما عن العنصر المخيف في ذلك الكشف، هو الحالة «صفر» أو الحالة الناقلة للعدوى في إيطاليا، وهو رجل في الثامنة والثلاثين من العمر، كان في مدينة كودجنو الإيطالية يوم 18 فبراير، والذي كان المشفى الذي ارتاده حينما ظهرت عليه أعراض الحمى، هو سبب الكارثة اللاحقة لما حدث له، حيث شخصه المشفى بأنه مصاب بحمى اعتيادية، وأعطاه تصريحاً بالمغادرة.
مارس الحالة «صفر» في الأيام التالية لخروجه من المشفى حياته بشكل طبيعي، وقام بكل أنشطته المعتادة التي خالط خلالها العشرات، الذين خالطوا بدورهم عشرات آخرين من سكان المدينة، كل ذلك قبل تشخيصه بفيروس كورونا، وبحلول الثالث والعشرين من فبراير، أي بعد نحو خمسة أيام، كانت هناك عشر حالات مؤكدة بالفيروس في محيطه، ووضعت السلطات أكثر من خمسين ألف شخص بالمدينة في حجر صحي لاشتباه انتشار العدوى بينهم.
وتتراكم الجثث في منطقة لومبارديا الشمالية، خاصة في مقاطعة بيرغامو الثرية بالقرب من مدينة ميلانو الشهيرة. مع الإبلاغ عن 3.760 حالة إصابة يوم الاثنين (16مارس)، بزيادة قدرها 344 حالة عن اليوم الأسبق، ووفقاً للمسؤولين، فهي في مركز تفشي المرض. والأمر الأسوأ أن مع ازدياد عدد الوفيات بات هناك قوائم انتظار لإتمام مراسم الدفن وحرق الجثث، إذ قال ماركو بيرغاميللي أحد كهنة كنيسة جميع القديسين في بيرغامو: «لسوء الحظ، لا نعرف أين نضعهم».. مشيراً إلى مئات حالات الوفاة يومياً.
سببت الطفرة الهائلة والمفاجئة للمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة تماماً على المستشفيات في المنطقة الشمالية من إيطاليا في ارتفاع معدل الوفيات، لأنه ببساطة لا توجد ما يكفي من أسرة لوحدات العناية المركزة أو أجهزة التنفس الصناعي لكل مريض، مما يجبر الأطباء على الاختيار من سيحصل على سرير في وحدة العناية المركزة ولديه فرصة البقاء على قيد الحياة مقابل الذين لا يمكنهم الحصول على سرير، وعلى الأرجح لن يستطيعوا البقاء على قيد الحياة».
وتبدوا أن مشكلة أخرى ساهمت في سقوط إيطاليا في وحل الفيروس، في أن الإيطاليين تخلفوا في إجراء فحص واختبار الفيروس التاجي على نطاق واسع، على الرغم من أنه أثبت فعاليته في مكافحة الانتشار.
وفي بلدة صغيرة واحدة بالقرب من البندقية، تم استخدام الاختبار وإعادة الاختبار حتى من الأشخاص الذين لا يعانون من الأعراض إلى جانب تتبع الاتصال والحجر الصحي الصارم، ونجحت في إيقاف انتشار الفيروس تماماً.
الإيطاليون هم اجتماعيون بطبيعتهم، وأشخاص يعيشون في مجموعات عائلية متعددة الأجيال ولديهم وحدات سكنية متعددة العائلات. التنافر الاجتماعي هو عكس الثقافة وأصبحت الطبيعة الرائعة للأسرة والمجتمع التي تركز على المجتمع الإيطالي نقطة ضعفهم الأكبر في زمن حدوث الجائحة العالمية، وقد أصبح من الواضح أن تطور الوباء وتأثيره قد يكونا مرتبطين بقوة بالتكوين الديمغرافي للسكان وعلى وجه التحديد، الهيكل العمري للسكان.
طلبت الحكومة من مواطنيها خلق مسافة أمان بين بعضهم تبلغ متراً واحداً، واستعمال المناديل خلال العطس والسعال، وتجنب ملامسة إفرازات الجهاز التنفسي وعدم مشاركة الزجاجات والأكواب، على وجه الخصوص خلال الأنشطة الرياضية.
باستثناء وجهات المحلات التجارية التي تزدحم في الصباح بالمتسوقين، الذين يتهافتون على اقتناء المواد الغذائية، والمطهرات ومناديل الحمام ومواد التنظيف، أصبحت شوارع روما التي عادت ما تضج بالزوار خالية و لا يتنقل في أحيائها سوى القليل من السياح.
وخوفاً من وقوع ما هو أسوء، أصبحت العاصمة الإيطالية شبه معطلة، مع سيارات قليلة تتوقف عند إشارات المرور، فيما المقاهي والمطاعم ومكاتب البريد فارغة، وكذلك الحافلات وعربات المترو شبه خالية إلا ممن اضطرتهم الظروف للخروج بكمامات على وجوههم أو قطعة قماش عسى أن تقهم شر العدوى.
وتحول اكتظاظ الشوارع إلى فراغ يجعلك تخال أنه صباح يوم أحد وليس يوم من أيام الأسبوع التي عادة ما تعج بالحركة. ويرجع هذا التغير في نمط تنقل وحياة ساكنة إيطاليا، وهو الأمر الذي قبل البعض بالتعايش معه فيما أثار استياء البعض الآخر مع البدء في تطبيق المرسوم الجديد، الذي يطلب من حوالي 60 مليون إيطالي البقاء في منازلهم من أجل المساعدة على وقف التفشي السريع للفيروس.
وتنفيذاً لهذا المرسوم طلبت العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والهيئات الدولية، من ضمنها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) من موظفيها أن يعملوا من منازلهم، في خطوة تهدف إلى الإسهام في تطويق الفيروس.