فضل بن سعد البوعينين
المتأمل لحوارات معالي محافظ مؤسسة النقد، الدكتور أحمد الخليفي، يجد فيها العمق الاقتصادي، والرؤية البانورامية المؤطرة بشؤون النقد، والمتداخلة مع القطاعات المالية والاقتصادية بشكل عام. تغلب على حواراته الشفافية والواقعية، وهو ما يبحث عنه المختصون والكتّاب المتعطشون للمعلومة النقية في أوقات الأزمات.
يُحسب للدكتور الخليفي حرصه على عقد لقائه الدوري افتراضيًّا مع كتّاب الرأي والمختصين في خضم أزمة كورونا التي أوجدت سياسة التباعد الاجتماعي، وعلقت غالبية الأنشطة المباشرة، بحضور النواب وفريق العمل في ساما؛ ما أثرى اللقاء، وأحاط بموضوعاته المهمة من كل جانب.
وكالعادة، كان القطاع المالي محور النقاش، غير أن تلخيص الدكتور الخليفي أبرز التطورات الاقتصادية، المحلية والدولية، والمؤشرات الاقتصادية والمالية، وتأكيده بالأرقام سلامة الوضع المالي والنقدي للمملكة، وتوافُر الاحتياطيات النقدية الكافية لتغطية الواردات لفترة 43 شهرًا، و88 % من الكتلة النقدية الموسعة (ن3)، وبما يعزز سياسة الربط الحالية، وارتفاع مؤشر كفاية رأس المال للقطاع المصرفي مقارنة بمتطلبات بازل، ونمو الموجودات والودائع، وانخفاض معدل التعثر، أعطى رؤية بانورامية شاملة، وعزَّز التفاؤل والثقة بالقطاع المالي، واستقراره، وقدرته على مواجهة الأزمة وتداعياتها المتوقعة.
الأكيد أن طول زمن الأزمة الحالية سيزيد من معاناة الاقتصاد، وسيؤثر على القطاع المالي؛ لذا اجتهدت ساما لوضع سيناريوهات ثلاثة للتعافي من الأزمة، وهي تختلف عن توقعات صندوق النقد، وأحسب أنها أكثر دقة لاعتمادها واقعية التحليل وفق البيانات الدقيقة، ورؤيتها المستقبلية للاقتصاد من خلال مراقبتها السيولة ومتغيراتها الآنية والمستقبلية.
شرح آليات الدعم الموجهة للمنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والكبيرة، من خلال القطاع المالي، وفق تصنيف دقيق، يميز بين القطاع المصرفي وشركات التمويل، يؤكد فَهْم ساما العميق لاحتياجات مكونات القطاع المالي، وفق علاقاته التمويلية بالقطاع الخاص.
يؤمن الدكتور الخليفي بضرورة تنويع مصادر الاقتصاد، ويشدِّد على أهمية التسريع في برامجها لخفض الاعتماد على النفط.
ما زلتُ أعتقد بأهمية التنويع الاقتصادي، وأنه مقدَّم على تنويع مصادر الدخل في الوقت الحالي، بل إن اكتمال قاعدة التنوع الاقتصادي سيغذي بالتبعية خطط تنويع مصادر الدخل، خاصة مع وجود منظومة ضريبية متكاملة.
استعجال النتائج ربما أبطأ في نمو الاقتصاد، وتسبب في بعض التحديات الاقتصادية خلال السنوات الماضية. وأرجو أن تكون مخرجاتها من الدروس المستفادة في اتخاذ القرارات المستقبلية الداعمة للاقتصاد، ومعالجة تداعيات كورونا الحادة.
أجزم بأن التحدي الأكبر الذي تواجهه «ساما»، والبنوك المركزية الأخرى، هو تداخُل الشأن النقدي والمالي والاقتصادي في هذه الأزمة؛ ما يفرض عليها تحمُّل أدوار إضافية بدلاً من تركيزها على هدف تحقيق «الاستقرار المالي» للقطاع الذي تشرف عليه. وهو تحدٍّ يفرض على الحكومات مراجعته بشكل عميق، واتخاذ إجراءات علاج عاجلة، وبما يحد من أعباء البنك المركزي.
ولعلي أشير إلى أهمية جودة محافظ الإقراض، وهو أمر لا يمكن عزله عن الاقتصاد الكلي الذي يؤثر في المؤسسات والشركات المقترضة.
الركود المتوقع سيؤثر في ملاءة الشركات والتزامها أمام البنوك، وهذا سيؤثر سلبًا في جودة المحافظ، كما أن طول أمد الأزمة قد يؤثر في كفاية رأس المال؛ ما قد ينعكس على التقييم الائتماني للقطاع المصرفي.