لا تخلو وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي أو حديث المجالس أو حديث المجتمع المحلي والعالمي من موضوع كورونا وإحصاءات المرضى والوفيات والاحترازات الطبية والوقائية والعزل المنزلي والتباعد الاجتماعي وتجييش الإمكانات من أجل كبح انتشار هذا الوباء العالمي, فقد اتجهت دول العالم إلى ثلاثة اتجاهات لمواجهة هذه الأزمة، فدول كان شعارها «المواطنون والمقيمون على أراضيهم أولاً»، فسخرت هذه الدول كل الإمكانات للمحافظة على سلامة مواطنيها ورعاياها، سواء كان في الداخل أو الخارج، وكذلك المقيمون في أراضيها، وتدفع الغالي والنفيس من أجل ذلك، ولعل دول الخليج وعلى رأسها المملكة في مصاف دول العالم في تقديم هذه الخدمات المتميزة، أما الاتجاه الثاني فنجد بعض الدول تحاول إيجاد دواء ولقاح لهذا المرض من خلال تحليل هذا المرض والمحاولة لاكتشاف علاجه، وهي في سباق مع الزمن، أما الاتجاه الثالث فهو محور هذا المقال فنجده بتحليل هذا الفيروس من جانب مكاسبه السياسية والاقتصادية، وهذا ما طرحته مجلة فورين بوليسي: Foreign Policy المجلة الأمريكية التي تصدر كل شهرين وتنشر مؤشر الدول الفاشلة سنوياً من خلال طرحها تساؤل كيف سيبدو العالم بعد فيروس كورونا وعن توقعاتهم؟ وكان هذا التساؤل موجهاً إلى 12 قائداً ومفكراً وخبيراً عالمياً وسياسياً وعسكرياً، وكانت الإجابات جميعها تثبت أنه سيحدث تغير كبير في النظام الاقتصادي والسياسي بين القوة الاقتصادية المتمثلة في الصين وبين الولايات المتحدة، هذه المجلة هي التي تبنت أطروحات أحد مؤسسي المجلة صامويل هنتغتون والمتمثلة في (صراع الحضارات). والتي جادل فيها بأن صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون متمحورة حول خلاف أيديولوجيات بين الدول القومية بل بسبب الاختلاف الثقافي والديني بين الحضارات الكبرى، حيث نجد من خلال الإجابات، والتي تبنت مفهوم الصراع أنها تنظر إلى المكاسب والانتصارات الاقتصادية والسياسية لما بعد كورونا، حيث علق جون ألين الجنرال الأمريكي ومدير معهد بروكنجز عن هذا التساؤل المطروح من قبل المجلة بأن النظام العالمي سيتعرض لضغط كبير ينجم عنه عدم الاستقرار وخلافات بين الدول، وقد نرى بوادر ذلك جلياً بين ألمانيا وإيطاليا، وبين الصين والولايات المتحدة، وهذا ما أكد عليه أيضاً ريشاد هاس الدبلوماسي الأمريكية، الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومدير تخطيط السياسات في وارة الخارجية للولايات المتحدة حيث أجاب عن نفس السؤال بأن الأزمة ستزيد من الأضرار في العلاقات الأمريكية الصينية وتضعف التكامل الأوروبي، وقد يبدو هذا الأمر صحيحاً بشكل جزئي على الرغم من أن ألمانيا وفرنسا تحاول جاهدة لبناء تكامل من أجل وضع علاج لهذا المرض، أما كيشور محبوباني وزير الخارجية السنغافوري السابق فهو ينظر إلى أن الصين انتصرت، وأن باستطاعتها المنافسة في أي مكان، خاصة بعد خسارة الشعب الأمريكي الثقة في اقتصاديات بلده بحسب تعبيره، إن مثل هذه التحليلات التي يقومون بها بعض السياسيين والمفكرين والخطط التي تبنى على الأزمات من خلال منطلق الصراع والربح والخسارة حتى في القضايا الإنسانية والطبية مصيرها تفكيك المجتمعات وانعدام الثقة في مؤسسات الدولة، وأن الأنموذج الأمثل في إدارة الأزمات الصحية العالمية، والتي تمس حياة المواطن بشكل مباشر، هو ما تقوم به المملكة العربية السعودية في خدمة مواطنيها ومن يقطن في أراضيها، مبتعدة عن حسابات الربح والخسارة السياسية أو الاقتصادية، فشعارها أن الإنسان أولاً وسيكون هذا الأنموذج منهجاً ستحتذي به كثير من الدول في ظل الأزمات.