أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: النسيان مع إشرافي على تسعين عاماً: يزحف علي زحفاً بالنسيان؛ ففي كل عامٍ أنسى ما كنت أنسى من معاني كتاب ما أوشكت أن أكون من أئمته؛ وفي كل عام يتلاشى كثير من فهمي وإدراكي إلا ما كان من الأضابير التي كتبتها في ألق الشباب، ثم في استيعاب بنيات الخمسين أو الستين.
قال أبو عبدالرحمن: وفي هذا العام في اليوم العاشر من شهر رمضان المبارك نسيت قنوتي في يومين قبل شهر رمضان المبارك؛ فطلبت من أخي عاصم حسن أن يبحث لي ما يقدر عليه من الإفادة مما يؤدى بعد صلوات النافلة مثنى مثنى، ثم يختم بالقنوت؛ فرجع إلى البحر العباب؛ وهو الإنترنت؛ فأحضر لي ما يثلج الصدر من صفات القنوت؛ لأستدرك ما فاتني من نصوص القنوت ابتداء بما بقي من شهر رمضان المبارك إلى كل الأعوام إلى أن ألقى نهاية عمري أمام ربٍ غفور كريم ودودٍ؛ وهو ربنا جميعاً سبحانه وتعالى، وإليكم الإفادة من جواب شيخي الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عن القراءة في الشفع والوتر؛ وكانت الإفادة جواباً على سؤالٍ وجه إليه؛ فقال: (ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الثلاث الأخيرة بسبح وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، فإذا أوتر بثلاث قرأ في الأولى بسبح، وفي الثانية بـ (الكافرون)، وفي الثالثة بـ قل هو الله أحد هذا هو الأفضل، وإن قرأ بغيرها فلا حرج، الأمر واسع؛ لأن الله قال: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [سورة المزمل/20]، وإذا سرد الركعات وسلم من كل ثنتين ثم أوتر بواحدة فكل ذلك حسن، وإن لم يقرأ سبح والغاشية.. هل هذا واجب أن يقرأ بذلك؟.
قال رحمه الله تعالى: المقصود أنه يصلي ثنتين ثنتين ثم يوتر بواحدة، والأفضل في الواحدة أن يقرأ فيها بعد الفاتحة قل هو الله أحد تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولو قرأ بغير ذلك فلا حرج لعموم قوله جل وعلا: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} سورة المزمل/20، وقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء: (ثم اقرأ بما تيسر لك من القرآن)؛ فالأمر في هذا واسع والحمد لله..)، انتهى كلام الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى.
قال أبو عبدالرحمن: وردت عدة صيغٍ لدعاء القنوت عن الصحابة رضوان الله عليهم، ومن تلك الصيغ: ما روي عن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه قال: (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي، ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت)، [أخرجه أبو داود (1425) والترمذي (464)، والنسائي (1745)، وابن ماجه (1178)، وأحمد (1718)]؛ وما روي عن عروة بن الزبير رضي الله عنه: (أن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري)؛ (وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم [موظفاً] على بيت المال): أن عمر [رضي الله عنه] خرج ليلة في رمضان؛ فخرج معه عبد الرحمن بن عبدٍ القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد؛ [وهم] أوزاعٌ متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، فيصلي بصلاته الرهط؛ فقال عمر[رضي الله عنه]: والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئٍ واحدٍ لكان أمثل، ثم عزم عمر على ذلك، وأمر أبي بن كعبٍ [رضي الله عنه] أن يقوم لهم في رمضان؛ فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعم البدعة هي، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون؛ (يريد آخر الليل)؛ فكان الناس يقومون أوله، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف [بقولهم]: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق؛ ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خيرٍ؛ ثم يستغفر للمؤمنين.. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم، واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد [أي الحق]، إن عذابك لمن عاديت ملحقٌ)، ثم يكبر ويهوي ساجداً [صحيح ابن خزيمة حديث رقم1100].. ومما روي عن عبد الرحمن بن أبزى الـخزاعي أنه قال:
(صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاة الصبح فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك بالكافرين ملحقٌ، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير، ولا نكفرك، ونؤمن بك، ونخضع لك، ونخلع من يكفرك) [السنن الكبرى للبيهقي 2/211، ورواه الألباني في إرواء الغليل 2/170]، وإلى لقاءٍ قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.