طوال التاريخ المكتوب والمسموع لم يكن هدف الحروب هو الاستيلاء على بلدان أخرى ونهب خيراتها وحسب، إنما السبب الأساسي الأهم والمسكوت عنه هو: «تصدير» الأزمات الداخلية إلى الخارج.
في الأزمة الرأسمالية في عشرينات القرن الماضي، اجتاحت أوروبا- سيدة العالم الرأسمالي في ذلك الوقت- موجة ثورية عارمة تنادي برفع الظلم عن الكادحين حتى لو كان الحل هو تغيير النظام الرأسمالي! فظهرت الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا؛ وهما وجهان لعملة واحدة؛ ليفتكوا بقادة الحركة الثورية الداخلية أولاً، ثم يوجهون الكادحين بواسطة «وهم اسمه القومية الأرقى» للاستيلاء على العالم كله. وبهذا الأسلوب تحققت مسألتين:
أولاً- «تصدير» التفكير والمنطق الملازم له؛ من الوعي الفردي والجمعي؛ إلى الإعلام الرأسمالي الأصفر المنحاز؛ وأصبح الوعي يدار من الإعلام بواسطة «الريموت كونترول» أو التحكم عن بعد؛ فلا تفكر؛ ودع الحكومة تفكر عنك!
ثانياً- إذا أردت التخلص من الظلم الواقع عليك؛ فالحل ليس إسقاط الظلم؛ إنما استبدال الظالم بظالم آخر! ومساندته للاستيلاء على «قوميات» أخرى؛ وهذا تحقيق وانتصار لقوميتك!
في العشرينات كان الوعي الفردي والجمعي؛ إلا من رحم ربي؛ قابلاً لـ «الاستعباد» الفكري هذا؛ ولكن حالياً؛ وبعد الانفجار التكنلوجي؛ لم يعد الوعي البشري عبداً للإعلام المزيف! وتبيّن أن الإنجازات التي تحققت: كتحديد ساعات العمل والراحة؛ والضمان الاجتماعي؛ ومجانية التعليم والصحة؛ وغير ذلك؛ هي ليست إنجازات رأسمالية؛ وأنها تنتزع انتزاعاً وليست هبة من المتسلّط؛ وهي ضرورة لاستمرار حياة البشر على الأرض؛ ولا غنى لأي فرد أو مجتمع أو أمة عن قبول الحياة المشتركة مع الآخرين!
يؤكد معظم المراقبين والمفكرين السياسيين أن العالم ما بعد «كورونا» ليس كما قبله، وقد حان الوقت لانبثاق «نظام دولي جديد»، يعيد بناء العلاقات الدولية، ليس على أساس «القومية الأرقى» أو «العرق الأرقى» أو «الهيمنة الأحادية» أو أي «وهم» آخر. ولتجنب كارثة الحرب النووية التي لا تبقي ولا تذر! ولكن جدلية العلاقة بين الظالم والمظلوم لا يسيرها رأي المراقبين، إنما الواقع الأليم الذي نعيشه! فبعد فشل الأنظمة الرأسمالية من تسويق «القاعدة» ومشتقاتها «لتصدير» أزمتها الداخلية، ظهرت جماعات مسلحة داخل الدول الصناعية وعلى رأسها أمريكا، تطالب بأولوية الاقتصاد مقابل حياة الناس! فهل هي «فاشية جديدة»؟ وإذا كانت كذلك وهو الأرجح؛ فهل ستسحق كل من يعارض سياسة المافيا الرأسمالية في مجتمعاتها؟ ثم تنقل الصراع إلى الخارج بعد الاستيلاء على القرار النووي؟
لم استغرب عندما سمعت تصريحاً روسياً على لسان «ماريا زخارفا»، الناطقة الرسمية باسم الكرملين: «سنعتبر أي اعتداء من الغواصات الأميركية على روسيا هو اعتداء نووي، وسنرد عليه نووياً»! فالروس يعرفون تماماً، أن لا وجود للمنطق في رأس المافيا، ولا سبيل للمواجهة سوى الردع.
** **
- د. عادل العلي