فيما لا تزال فئة من النقاد لا يرون وجود ما يسمى بالنقد الثقافي؛ باعتبار أن النقد الأدبي الذي نُعت بالقديم هو نقد للنص بوصفه امتدادًا لسياقاته الثقافية؛ ما يجعله نقدًا ثقافيًّا بشكل أو بآخر، فيما يرى أرباب النقد الثقافي أنه مرحلة جديدة، انتقل إليها النقد، مستخدمًا النص لمناهجه الألسنية الجديدة، وما شاع من نظريات نقدية اتخذت من النصوص نماذج تطبيقية، تستخدمها لاختبار فروض النظرية، التي يكون من أهم أهداف الباحث فيها هو اختبار أدوات المنهج، أو اختبار فروض النظرية في نماذج أخرى أكثر حداثة، ومن ثم الإسهام في تطوير النظرية؛ ما يجعل من النص مادة ضمن مجموعة الوسائل المخبرية لأساتذة النظرية النقدية، والباحثين من منطلقات منهجية وفقًا لهذه النظرية أو تلك.
الإشكالية الشائعة في مشهدنا الثقافي، التي تشكل ظاهرة ثقافية، شيوع كتابات متوارية في عباءة النقد، متقنعة نعوتًا عدة، منها: قراءة، عرض، تحليل، نقد، مقاربة.. وغيرها، ومع ما يمكن أن تحمله هذه المفاهيم من أقصى تباين درجات الاختلاف حول تطبيقاتها النقدية تبعًا لكل مفهوم، إلا أن ما لا يمكن بداهة الاختلاف حوله هو وظائف النقد، سواء وظيفة النقد تجاه النص، ووظيفته تجاه الكاتب، ووظيفته تجاه الفن الأدبي عامة، وصولاً إلى وظيفته تجاه الذائقة الاجتماعية والتراكم المعرفي ضمن البنى الثقافية والفكرية لأي مجتمع من المجتمعات.
وبالنظر إلى هذه الظاهرة الثقافية، وبفرض نقدي بسيط: مَن ينقد مَن؟ تتضح خارطة الكثير مما ينشر في هذا السياق الذي تحل فيه لغة الصداقة الاجتماعية (الشللية) بديلاً للغة النقد، والعواطف الوجدانية بدلاً من مهارات التفكير الناقد؛ لتكون الصحبة مدخلاً للكتابة، والنفعية الاجتماعية منهجًا، والأقربون أولى بالمعروف الثقافي مقصدًا.
* قال أبو الطيب:
وهل يبقى من الأفهام شيء
إذا احتاج النهارُ إلى دليل؟!
** **
- محمد المرزوقي