قراءة - د. نهلة جمال:
بين استهلال لتوضيح زمن كتابة المجموعة وتحديده في فترة من 2005 إلى 2009 لم يحقق لنا سوى صورة توسطية للأمر لإشارته باحتمالية كتابة بعض القصص في توقيت قبل أو بعد هذا، وكأن الزمن هنا هو إحدى مراحل العمر فامتداده بالسنوات هو مجرد رقم للحصر لا الشمول، ولعل ذلك ما توضحه عتبة العنوان التي تفتح أفق الخيال لفترة مظلمة تمرح فيها المشاعر بين التأمل والعشق والخوف، وهي ما يمكن تصنيف قصص المجموعة في ضوئها بسهولة لتعبر عن الحياة بكل جوانبها.
أما عن الإهداء فتتناغم فيه شاعرية اللغة وفصاحتها ليفتح شهية القارئ، معلناً أن السطور ستحمل من المشاعر الكثير، وهو ما تحقق بالقصة الأولى حرف الكاف التي غازلت الوجد والاحتياج له بكل إنسان، ولعلها برمزية الحرف بلورت حالات الحرمان العاطفي في نقصان حرف.. يعكس فعل وسلوك يبني حياة.
وتحاول القصص المزج بين عواطف المحب العاشق والهوية الدينية كتأصيل للشخصية العربية المسلمة واتساقاً وبيئة القاص الاجتماعية والثقافية مما حقق نوعاً من الشفافية المميزة له فنجد ألفاظ (منع أذان الفجر.. تذكرها بركعتين.. عمود المسجد.. ليلة القدر...) وإسقاط دلالتها على حالة كل شخصية وموقف.
كما تمتعت القصص القصيرة جداً بمحاول معالجة الظواهر الاجتماعية، فنرى المعلم ودور الكتاب والطفولة والإرهاب والخداع، كما لم تخلُ من إشارات سياسية في عدة مواطن.
وما بين بداية المجموعة بحرف الكاف حتى نهايتها بمصير الهوى تعزف السطور نغمات متنوعة لحالات تتأرجح بين الوفاء والغدر، الصدق والرياء، القبول والرفض كمرآة عاكسة لمجتمع إنساني تبقى مشاعره هي الداء والدواء معاً، وهو ما اتضح بتعبيره عن ازدواجية الرغبات والمظاهر بقصصه.
وجاء التصوير لمشاهده سلساً يوحي بالحركة ولا يخلو من إثارة، هذا مع ثراء اللغة ورقتها ووضوحها مع تعدد استخدام المرادفات في أكثر من قصة، فالتصوير البلاغي ودلالاته الرمزية تدفق بقوة ليحقق الإيجاز والمتعة، بينما تكررت ألفاظ ذات دالات ثابتة بالمجموعة مثل الثعابين، الليل، القمر، البحر، النار، الصابون.
غير أن تنوع عناوين القصص كان موفقاً في أغلبه بعيداً عن الإطالة، وهو ما يوضح بصورة عامة اتفاق المجموعة مع ملامح هذا الفن (القصص القصيرة جداً) الذي ظهر بعد سقوط الأيديولوجيات الكبرى ليعبر عن الإنسان العادي المتشوق للحرية، وهنا نجد التكثيف والقصر والإيجاز بدرجة عالية، مع استخدام التوتر الدرامي والجرأة والشاعرية مع التفنين في تراكيب الجمل، وهو ما يميز هذا النوع الأدبي من قدرة الكاتب على الإدهاش والتنويع والحبكة باجتناب الشرح تجمع المجموعة بين عاملي التفكير والتركيز في أغلبها بدرجة عالية.